الخميس، 10 سبتمبر 2015

كيف سيقوم الآخرون بنعيي ؟!

http://e3lam.org/2015/09/07/61628
https://www.facebook.com/notes/hala-moneer-bedair/%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%B3%D9%8A%D9%82%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A2%D8%AE%D8%B1%D9%88%D9%86-%D8%A8%D9%86%D8%B9%D9%8A%D9%8A-/10153215460911696




من ضمن مزايا تمتع الشخص بعدد لا بأس به من الأصدقاء هو أنهم سيكونون حاضرين وبكل قوة وتميز عند وفاته، سيكون نعيه بسرد أكثر المواقف الإنسانية بينه وبينهم، مكتوباً وموثقاً على صفحات التواصل الاجتماعي، يعاد في ذكراه ما حيت تلك المواقع، سيكون الحضور كثيفاً في صلاة الجنازة، وستقام صلاة الغائب في أكثر من مكان، وسيعم الدعاء الأجواء بمجرد إعلان الوفاة ..

ما الذي ممكن أن يحدث ليختفي وبمنتهى السرعة من لم يعيشوا بعد ؟!!هل من الممكن أن يحس الإنسان بقرب أجله، أم أن جرعات الحزن والهموم وسواد الدنيا سبباً في قِصَر العمر وموت الفجأة ؟!

وفاة الصحفي براء أشرف المفاجئة وقيام أصحابه وزملائه ومعارفه بنعيه عن طريق ذكر مآثره، أو نشر صور تجمعهم وإياه قبل وفاته؛ لفتت نظري لكارثة ما بعد وفاتي، أني لا أمتلك مثل تلك الكوكبة التي ستجند صفحاتها للحديث عني بعد الموت !! معقول هل سأموت هكذا في صمت ؟! اكتشفت أني وطول عمري الذي تجاوز عمر براء بخمس سنوات لم أسْعَ يوماً لتكوين الصداقات ! لقد كنت أكتفي بصديقتين أو ثلاث بالكاد، فقط صديقتان أيام الابتدائي أتذكر اسميهما الأول فقط، ولاء وشيماء، وزميلتين لم يرتقيا حينها للإحساس بقرب الأصدقاء، كنت أتقاسم معهما الطريق للبيت بعد المدرسة، والعجيب أن هاتين أتذكر اسمهما ثلاثياً ! إيمان محمد الكرداوي، وتغريد عبد العزيز الدهري، عسى أن يقرءا ذلك المقال فيكونا موجودتين لتقديم النعي يوماً ما، تحياتي لكما ..

ثم غربتنا البلاد، فسافرت مع الوالدين للسعودية ولم أعد أعلم عن أربعتهم شيئاً، أتممت سني دراستي وأنا لا أزال على نفس الطبع، لا أصدقاء يتعدون أصابع اليد الواحدة، حتى أُخِذَ انطباع عني بالتكبر لعدم اختلاطي بالباقين، فقط كانوا أميرة ومريم وسمر، صديقاتي في المرحلتين الإعدادية والثانوية، أدعوكم أنتم الآخرين بالوجود لنعيي يوماً ما، أملي الأخير فيكم، تلك وصية، اذكروا أشيائي الطيبة وإن لم تسعفكم الذاكرة فابحثوا في صندوق الذكريات، لابد وأنه يحمل عني كما يحمل صندوقي منكم، وإن لم تجدوا فاقرؤوا على روحي الفاتحة، وابلغوني السلام لعله يصل إليَّ فيؤنس وحشتي، فلست متأكدة أين وكيف سأكون وحدي !! أنا التي لم أبحث عن الوحدة بقدر بحثي عن الاكتفاء بكم، وإن بحثت عن الهدوء من بعد ما فرقتنا الدروب، ولكني وجدته شعوراً بالوحشة !

كيف سأموت الآن وليس لي تلك الصداقات ؟! لم يكن هناك الكثير للعيادة في مرضي أو مباركة فرحي أو مواساة حزني حتى أعبأ اليوم بعدم تواجدهم في نعيي، كيف لم أنتبه قبل ذلك ؟!!

يُلفت نظري جداً تصرفات الكثيرين، يغتابون بعضهم البعض، وإذا التقوا اغتالوا بعضهم حباً وأشواقاً وأحضاناً واجتراراً لذكريات كثيرة جميلة مزيفة، وإذا تفرقوا عادوا لنبذ وذم بعضهم بعضاً من جديد !! لا تجمعهم المناسبات السعيدة بقدر ما تجمعهم الجنائز !! لم يهتدِ أحدهم  إلى أن الحياة قصيرة ولا تحتاج كل تلك الصراعات، لا يتذكر أحد أن كلهم إلى فناء، ولا يهتم فيهم أحد إلى تطهير قلبه لعل الفراق غداً ! لم يعِ أحد أن من يصعِّر له خده اليوم ربما سيحضر جنازته بالغد، فلن يدعوَ له بقلب محب هذا إن ردع نفسه عن الدعاء عليه بالجحيم !!


وعلى النقيض وفجأة تجد سيرة أحد الأموات برزت للمجلس ليتردد الدعاء له بالرحمة على ألسن الجميع، ربما كانت إشارة برضا الله على ذلك المتوفي أن سخَّر الجمع أن يشملوه بالترحم، أو أن تلك الروح الطاهرة تحوم بالمكان لتجمع صلوات وتسليمات وبركات ترتقي بها درجات، عند رب السموات، وتعود لبرزخ جميل تحيا فيه حتى لقاء !


لا أخشى موتاً قريباً أو سريعاً، مؤكدٌ أن الله سيرحمني لأني على يقين من رحمة الله، ومؤكد أن الله سيلهم أهلي الصبر والسلوان، وبعد حين النسيان، كل ما أفكر فيه الآن : كيف سيذكرني أهلي وأصدقائي ومعارفي، كيف سيقدمون النعي، وكيف ستصلني مشاعرهم تلك ؟! .. ولكن هل طبيعي أصلاً أن أهتم الآن بكيفية تَذَكُّرِهم لي، وأنا لا أعلم هل سيمنحني موقفي ومكاني بعد الموت رفاهية أن يكون هذا ضمن اهتماماتي ؟! أعتقد أن كل روح تنتظر دعاءاً لها بالرحمة من أحدهم، أو التصدق عن صاحبها لعل بهذا التقرب يكون استكمالاً لعملٍ انقطع من الدنيا، إذاً من حقي أن أهتم الآن وأضمن أن هذا سيحدث بالفعل بعد وفاتي، إذاً أسألكم نعياً يليق بروحي الطاهرة المطمئنة الراضية المرضية بإذن الله  ..


ما أخشاه أكثر كيف سيذكرني زوجي وهل سيستمر الإخلاص من بعدي لذكراي ؟ كيف سيذكرني أولادي، وكل ما أخشاه أن يشوب دعاءهم لي بالرحمة غصة في نفوسهم من قسوة وجدوها مني بغية اشتداد عودهم، ويكونون كما يجب أن يكونوا، كيف سيذكرني أقاربي وأنا التي لم أداهن أو أنافق يوماً، كيف سيذكرني أصدقائي وأنا لا أمتلك الكثير منهم، كيف سيذكرني جيراني وأنا التي ليس لها علاقة بالجيران، كيف سيذكرني مدرسيني وقد مات أغلبهم على الأغلب ؟!!


يُحزنني أن ينتهي بي الوضع صورة في برواز لا يتذكره أحد إلا ليزيل من عليه الغبار، يحزنني ألَّا يبكيني أحد إلا إذا وقف أمام قبري كما أفعل بقبري جديّ، يحزنني أن يتم التخلص من مقتنياتي كتبرع للمحتاجين، كما يحزنني الاحتفاظ بها ومغلقٌ عليها الخزائن يحزنني أن يُذكر اسمي دون أن يتبعه " الله يرحمها " كما أتذكر أبي وكأنَّه لازال موجوداً بالدنيا !! فكَّرت جديَّاً أن أهب أعضائي بعد الوفاة تبرعاً لمحتاجيها، ربما سيكون هنا النعي بطريقة عملية، ستستمر حياتي بهذه الطريقة بعد مماتي، فعيني سيرى بها أحدهم، وقلبي سينبض في صدر من يريد استكمال الحياة، وكبدي وكليتاي سيساعدان إنساناً أن يتحمل ما توقفت عن الشعور به !


أتمنى لو أنني أعرف هل سأشتاق في مكاني بعد الرحيل لأحبتي في الدنيا كما سيشتاقون لي ؟! قد يخبرنا الراحلون بذلك ولكن للأسف لم يأتني أحد منهم في المنام ليقل لي هل هذا متاح أم لا، لم يأتني أحدٌ حتى الآن ويقل لي : " وحشتيني " !! إذاً على الأغلب هم بمكان لا حاجة بهم للاشتياق بشيءٍ ما في الدنيا مهما بلغ قدره، وسأكون على شاكلتهم يوماً ما أنا الأخرى ولن أشتاق إلى أحد ..


لا أخشى أن أترك من خلفي ذرية ضعافا، ولا أخشى الموت حقاً إلا أن يكون الله غير راضٍ عني، وهكذا كنت أدعوه دوماً : " اللهم لا تَتَوَفَّنِ إلا وأنت راضٍ عني "، في الوقت الذي كنت أتمنى فيه الرضا السريع، كنت أخشى أن طول العمر معناه سخط الله !!


الجمعة، 4 سبتمبر 2015

كلنا في عِداد الموتى


https://www.facebook.com/notes/10153209790826696/?pnref=story
http://e3lam.org/2015/09/04/61032


لا أدري حقاً أهي علامة من علامات الساعة، أم أنه دلالة لغضب الله علينا ! فكل ما يحاصرنا اليوم من مآسي وأهوال؛ أبطالها الأطفال، يولدون ليعيشوا الحياة بكل معاناتها ثم يرحلون، تاركين لنا مشهد الوداع لنتجرعه بكل مرارته ما حيينا !

1. " إنتِ مش عارفة إن بنتك في عِداد الموتى ؟! " كان هذا رد طبيب على أم تشتكي له هول ما رأت من ديدان في فم طفلتها التي ترقد بين الحياة والموت !

" جنة الله " بطلة جمباز كان من الممكن أن تموت فور اصطدام الميكروباص بها بعد خروجها من النادي، كغيرها من مئات يذهبون ضحايا لتهور السائقين وتدهور حال الطرق، تسيل دماؤهم على الإسفلت ويُنقلون للمستشفى جثثاً هامدة، ولكن من تدابير الخالق أن يمد الله في عمرها بِضعة أيام لتلعب دوراً هاماً في كشف مدى الإهمال الطبي في ذلك المستشفى الشهير ! فهم يطلقون عليه " مستشفى شهير بالدقي " ، لا أدري لماذا يجعلون اسمه سراً حربياً وكأنه خطر على الأمن القومي فضح ذلك المستشفى ؟!!

جنة الله أُصيبت بنزيف في المخ وكسر في الحوض ولم تنتقل إلى بارئها في صمت، وإنما وقعت المسكينة تحت أيدٍ من المفترض بها تطبيب المرضى والتخفيف من آلامهم، من المنوط بها متابعة علاج جنة واستقرار وضعها الصحي لإنقاذها من إصابتها الخطيرة، ولكن هذا لم يحدث، فقد تركوها للذباب يبيض في فمها ليتطور البيض ليرقات ديدان تتوغل وتنتشر في فم من ليس لها حول ولا قوة !! فتظل جنة الله حلقة في سلسلة لا نهائية من إهمال طبي يظل الأطفال أحد أبرز ضحاياه !

2. ماذا جنينا نحن يا أماه

حتى نموت مرتين ؟!

فمرة نموت في الحياة

و مرة نموت عند الموت! محمود درويش

قد يقول تلك الأبيات الطفل السوري الغريق إيلان كردي لأمه حين يلقاها عند ربهما، يشكو لها ما فعلته به الدنيا والبشر وهو لم يدرك بعد معنى الموت والحياة، ونحن ما في أيدينا سوى أن ننعي الصغير ونتشارك صورته على مواقع التواصل الاجتماعي، عاجزين أمام سياسات ظالمة ودول عربية مؤكد أن الله يمهلها ولا يهملها !

السوريون يهربون من موت سوريا للموت ببلدٍ آخر، قد لا يفضلون الموت مكتوفي الأيدي في انتظار براميل بشار المتفجرة أو أن يُقيم عليهم الحدود أحد مخابيل تنظيم الخلافة الإسلامية "داعش"، ربما يفضلون الهجرة عبر البحر ليموتوا غرقاً فتبقى جثثهم قطعة واحدة، أو أنهم يفضلون التهريب عبر الحدود في شاحنة حتى إذا ما اختنقوا لا تتناثر أشلاؤهم، كما سيحدث للسوريين الباقين في سوريا !!

تقول منظمة الهجرة الدولية أن 2643 لقوا مصرعهم في البحر المتوسط منذ بداية 2015 من أصل أكثر من 350 ألف مهاجر، مؤكد أن أغلبهم سوريين، ولكن لا ننسى أنه في قرانا الفقيرة من يبيع كل ما يملكه ويدفع روحه مقابل فرصة تهريب أو سفر بطريقة غير شرعية ..

3. البطل في هذه الفقرة من المقال ليست طفلة صغيرة يخطفها الإهمال الطبي من حضن والديها في مشهد قاسٍ من احتواء فمها على ديدان، وليس طفل رضيع تتقاذف جثته الأمواج ويتوسد البحر نائماً على شطه، وإنما شاب وشابة اجتهدا وثابرا وحلما وتمنيا ورسما لنفسيهما مستقبلاً باهراً نتيجة جدهما في تحصيلهما العلمي، لينضما لأعلى الكليات بأعلى المجاميع، ولكن لأن عصابة من اللصوص ومافيا من الفاسدين لسرقة أجوبة الامتحانات؛ امتهنوا اغتصاب أحلام الشباب، يقتاتون على حطامهم النفسي، ويسلبون منهم كل تلك الآمال وكل ذلك الطموح بثمن بخس، بضع آلاف من الجنيهات السُّحت الحرام، لينسبوا ذلك النجاح والتفوق لأبناء من يمتلكون المال لرشوتهم، فينجح ويتفوق رسمياً طالب مهمل راسب يحيا على جد وتعب غيره، ويرسب ويموت موتاً بطيئاً هؤلاء من وجدوا أنفسهم يحملون صفر الثانوية العامة في حين كانوا ينتظرون أسماءهم في قائمة أوائل الجمهورية !!

والوزارة تدرس فرض عقوبات على الطالب الذى يدعى كذبًا أن ورقة الإجابة ليست ورقته لمنع تكرار مثل هذا المواقف التي تؤدي إلى إثارة البلبلة !!

هذا ما يصنعونه! فرض عقوبات على المظلوم والمضطهد والمغتصب حقه، أما الظالم الفاسد الباغي الجائر يتركونه يسعى في الأرض فساداً لتتكرر مريم ملاك ومروة محمد عيسى وأحمد عبد الناصر كل عام ولا مشكلة في تحطيم مستقبل شاب أو شابة أخرى، فغيرهم قد قُتلوا بدم بارد وسجنوا دون توجيه اتهامات أو باتهامات ملفقة !!

نعم إنهم يولدون ليموتون ! يولدون ليموتوا مختنقين في حضانات جراء الازدحام وسوء التهوية مثلهم مثل مساجين في السجون المصرية، أو محترقين في حضانات لسوء التوصيلات الطبية، أو قتلى تحت أيد أطباء جزارين أثناء أداء عمليات جراحية، أو يعيشون أطفال ينتظرون الموت كأطفال مرض جوشقر المعتصمين أمام رئاسة الوزراء للاعتراف بمرضهم وترخيص علاجه، دون مجيب أو مغيث !!


نعم إنهم يولدون ليموتون ! يولدون ليموتوا غرقى بعد أن تتقاذفهم الأمواج لأن حكام العرب أغلقوا الحدود في وجوههم، وبلدنا مصر مسؤولة عن ذلك المشهد الإنساني المرير لطفل لفظه البحر ليكون لمن خلفه آية تشهد على جبروت وظلم الإنسان لأخيه الإنسان، مصر التي اعتقلت آلاف السوريين لانتهاء إقامتهم وأغلقت الحدود في وجه مزيد من اللاجئين بحجة الإضرار بالأمن القومي، مصر التي جنَّدت آلتها الإعلامية أقبح الوجوه للتحفيز والشحن ضد السوريين بتهمة مساعدة الإخوان !!


نعم إنهم يولدون ليموتون ! يولدون ليموت رجاؤهم وأملهم باغتصاب مستقبلهم، يولد أبناء الأقاليم ليمنعوا من الالتحاق بكليتي الإقتصاد والعلوم السياسية ؟! يولدون لآباء ليسوا بقضاة أوكبار ضباط فلا يعفون من قواعد التوزيع الجغرافي والتحويلات الجامعية، يولدون من فئات الشعب العادي فلا تنطبق عليهم مسمى "الاعتبارات القومية"، نعم يموتون مع ما يسمى بالعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية التي ماتت منذ أمد بعيد !!

يا الله كلنا في عِداد الموتى، فاللهم اجعل الموت راحةً لنا من كل شر ..