السبت، 17 نوفمبر 2018

بالصور: أشرف الخمايسي يوقع “جو العظيم”

https://www.e3lam.org/2018/11/16/367977

استضافت مكتبة مصر الجديدة بالأمس ندوة مناقشة وتوقيع رواية "جُو العظيم" للكاتب الكبير أشرف الخمايسي والصادرة عن دار الشروق، أدار الندوة الأستاذ محمد سمير ندا، وناقش الخمايسي الدكتور جمال العسكري، والأستاذ أسامة جاد. في البداية ألقى الأستاذ أشرف الخمايسي كلمة ترحيب بالحضور، وكلمة شكر للقائمين على تنظيم الندوة مفسحا المجال  لرأي المشاركين في المناقشة.


رأي الدكتور جمال العسكري:


أعرب الدكتور العسكري عن سعادته البالغة بقراءة الرواية، وإحساسه بالمتعة الخالصة بالعمل الأدبي، وقدرة الخمايسي الواضحة على إحكام البناء في الرواية،  قائلا: " سؤال المتعة هو السؤال الأول الذي يجب أن يجيب عليه النص والتأويل، قبل الغرق في طوفان التحليل والتفسير التي ربما هي الأخرى أفسدت من حيث أرادت أن تفيد، والمتعة المقصودة في النص الطويل نسبيا هي الإمساك بتلابيب العقل بمتابعته حتى النهاية، دونما إحساس بعبء القراءة إلا في لحظات قليلة نادرة".. 

كما قال: "أن الخمايسي يكتب ليظل القارئ مستمتعا طالبا الزيادة لا الملل ولا الابتعاد عن النص، وهذا ما حققه في "جو العظيم"، فالكاتب في العالم الروائي يستطيع أن يقتنص لحظة مُتخيلة في عمر شخص أو مجموعة من الشخوص، أو مجموعة من الأجيال المتتالية، ليعيد خلق هذا العالم، وعلى القارئ التأمل وشحذ كل القدرات للملمة أطراف هذا العالم، من هنا جاءت المتعة بقراءة هذه الرواية، التي أصبحت ذائقة رائجة الآن، وهي أسلوب المباشرة والوضوح،  فهي أقرب إلى الشفاهة من تقنيات الأدب المتعارف عليها، كما أن هذا الجنس من الكتابة يرافق في لحظة تاريخية لحظة ما بعد العولمة. كما وتناولت الرواية "أزمة الخلاص" وهي أزمة نظام العالم، فعبقرية الأدب حين يستطيع أن يُعطي المثقف "لوامس" تشير إلى الخطر. اختار الخمايسي تقنية الراوي العليم التي فيها أريحية في التعامل مع السرد (المونولوج الداخلي). جاءت اللغة واضحة لا تحتاج إلى المجاز أو الرمز، فأسلوب المكاشفة وهو أسلوب الرواية قد يكون أحيانا أصعب من المجاز، ليثور التساؤل إذا ما كانت الحقائق بهذا الوضوح والانكشاف، فلماذا تُرِكت النهاية مفتوحة؟!

رأي الأستاذ أسامة جاد :


كما أبدى الأستاذ جاد سعادته بالمشاركة في ندوة مناقشة "جو العظيم"، وقال بأنه أمام عمل عظيم يذكره بالكلاسيكيات العظيمة، ليس بمنطق التأثير والتأثر، وإنما بالنظر إلى كاتب محترف متخصص في نوع من الكتابة قائم على المِران المستمر، يعمل على نفسه بشكل جاد سواء في اللغة أو الموضوع أو الجدلية. ويرى جاد من خلال الغلاف أن الرواية ذات أداء كاريكاتوري يطرح قصة حقيقية لإبراز الملامح الكبيرة، فنحن أمام نوع من الأدب يعتمد على السخرية، كما أنها تجيب عن السؤال " كيف تكتب رواية جيدة؟ " وذلك في عدة خطوات وهي: اختيار المتخيل المكاني للسرد الذي يجمع الشخصيات المتناقضة بشكل منطقي، الشخصيات وتراتبها في المجتمع، تواجد امرأة في المشهد، وضع المرأة في ظروف خاصة، جعل "مدونة سردية للحياة" لكل شخصية من الشخصيات تنظر من خلالها للحياة. يرى جاد أن الرواية إسقاط عظيم على كل الأحداث الجارية، والزمن المفترض فيها ليس عدد من الساعات المفترضة بمدة الإبحار في البحر، وإنما استطاع أن يتمدد من خلال السرد إلى سنوات ممتدة. كما يرى جاد أن الخمايسي خلَّص نفسه من الانتماء لأي تيار لينظر إلى ما يحدث بمنطق ساخر، وأنه أحد القليلين الذي يحرص في فنه حرصه للوصول إلى جمهور من الشباب. كما كان ذكيا أن يكتب أول رواية ساخرة بعد رواياته الجادة التي تطرح مواضيع كبرى جادة وجدلية.استطاع الخمايسي من خلال الرواية إحضار العالم إليك، وأنت من تستنتج الاستنتاجات التي تخص ذلك العالم. فالقدرة هنا اختزال الكثير من الحيوات في حياة واحدة، ليست حياة شخص وإنما حياة رحلة، والرحلة هنا هي الكنز، كنز الوصول إلى الاستقرار.


ثم طرح الأستاذ محمد سمير ندا والحضور بعض الأسئلة على الخمايسي؛ منها: 


- متى وأين بدأت فكرة "جو العظيم" ؟


المرحلة التي نمر بها تحتاج أن يكتب عنها الكاتب حتى لا يكون منعزلا عن الواقع الذي نعيشه، فكانت لدي مهمة أساسية عند كتابتي لهذه الرواية، فلم أنشغل بفنيات الكتابة بقدر اهتمامي بأن أكون واضحا حتى لا يفهم القارئ خلاف ما أريده، فأترك رسالة للأجيال القادمة تقوم بدور التوعية، وتعبر عن رأيي في الأحداث الحالية.


- هل تشعر من خلال أسلوب الإسقاط المباشر في الرواية بأنك خرجت خارج ما ُيسمى بـ "الكتابة الآمنة"؟!


دائما ما أقول رأيي على حسب قناعاتي الخاصة، ولا أفكر في مسألة دفع الثمن، فذلك المسمى لا يعرفه الكاتب المخلص لقناعاته.


- هل لازال السلفي داخل وجدانك ككاتب؟


لدي هاجس أن أنفي عن نفسي مع كل عمل جديد أني لا أكتب بروح الحلال والحرام، وإنما تطور شخصية السلفي في الرواية كانت تَتَطلَّب هذا التفاعل وإبراز شخصية السلفي بهذه المزايا، فهي ببساطة قناعة السلفي وتصديقه لأفكاره. 


- لماذا حِدْتَ عن السلفية بعد التزامك بها ثمان سنوات؟

السلفي يمشي على قضيبين، مرجعيته عبارة عن فكرتين أو كتابين، وكنت قد دخلت السلفية من نقطة فشل مثلت الضربة القاصمة لقناعاتي ، حيث كنت أعتقد أني في وسط أدبي يعج بالقيم والتوعية، ولكني فوجئت حين مقتل محمد الدرة أن العالم كله انتفض من صحافيين ومحامين وغيلاهم ولم ينتفض أحد من الأدباء. أما سبب خروجي من السلفية هو أن طريقها لا يواكب شخصيتي وعقلي، فالطريق إلى الدين ليس خط سكة حديد وإنما حرية وفهم صحيح. 

- أحس أن لديك حالة عداء مع العالم، فمتى ستتجاوز الكتابة عن الكائن للكتابة عن ما ينبغي أن يكون؟ 

ليس لدي حالة عداء مع العالم، بل أحب البيئة التي نعيش فيها وهذا لا يمنع أن أشتبك معها وأبحث عما يجب أن يكون. ولكن من قال أن ما ينبغي أن يكون هو الأفضل ؟! 

- ما سبب اختيار اسم "بهية"، وماذا تقصد بالنهاية المفتوحة؟ 

إذا سئل الكاتب عن مقصده فأجاب؛ كان كاتبا غرا.

الجمعة، 16 نوفمبر 2018

"عازفة الكمان".. قصة الحب التي لم تكتمل

https://www.e3lam.org/2018/11/18/368631?fbclid=IwAR3STMCkadaesKhPK7BND51xi-EixKon4hpjS6527lw_Z90oXsaErBWB138

https://www.goodreads.com/review/show/2503431064

"هي مستقلة ولا تحتاج لمن يُنفق عليها، ولعل هذا ما يخيف الرجال منها.. في البداية يقتربون منبهرين لكن بعد أن يُحَلِّقوا حولها يغشاهم نورها وحرارتها ولا يحتملون حبها للحياة والناس وحدبها على المكسورين والمخذولين ولا انعجانها بالفن".


إنها "أمل شوقي" بطلة رواية أسامة غريب الأخيرة "عازفة الكمان"، تجيد العزف وصوتها في الغناء رائع، تلتقي بـ "طارق أبو النور" المصري الأمريكي الذي هاجر بعد تخرجه من الهندسة ويمتلك مطعم بقلب منهاتن، يهوى الشعر والأدب والموسيقى ويمتلك مكتبة موسيقية وسينمائية ضخمة. يتبادلان مشاعر الحب والاهتمام في البداية ثم يدخل طارق في دائرة من الحيرة فيما إذا كانت أمل تحبه أم لا، حتى يُصبح في صراع داخلي بين حبه وميله لها وبين سلوكها الصادم له أحيانا، فبالرغم أنه يحاول تقبل عملها وانشغالها وانغماسها وسط المعجبين والزملاء إلا أنه بالكاد يستطيع أن يطرد مشاعر الغيرة والاستياء.


بالرغم أن طارق كانت مشاعره جياشة يقدم لأمل الهدايا ويَنْظِم من أجلها الشعر، إلَّا أنها لم تبادله نفس اللهفة والاهتمام فكانت كل تصرفاتها مغلفة ببرود وتحفظ، مما جعل هاجس الحب غير المتكافئ يطارده، خاصة أن له تجربتان فاشلتان في الحب والزواج فخشي أن تتكررا.
ولكني أحسست من الفنان الحساس الشفاف غضبا غير مبرر في بعض الأحيان، فإنْ كان يحبها حقا؛ فلماذا لا يُقدِّر ضغوط عملها ويحاصرها باتهامات تعمُّد إهماله أو تسفيه مشاعره؟!.. فرجل في مثل ثقافته وخبرته وتحرره لابد وأن يُميّز بين مشاعر الحب الحقيقي التي قد تخبو أحيانا تحت وطأة مشاغل الحياة، وبين مجرد علاقة عابرة. حتى بعد اكتشافه لمرضها الذي كان سببا في اضطراب مشاعرها، وتأخرها ومماطلته في التصريح بحبها له بالشكل الواجب الذي ينتظره؛ لم يجعل قلبه يلِنْ لها ويلتمس لها الأعذار عن سلوكها المُحَيِّر فيما سبق، وإنما خشي على نفسه صدمة جديدة تدفعه للانتحار. إذاً لماذا يخشى على نفسه الهزيمة والمرارة في الحب، وفي المقابل لم يترك لها الفرصة لتتأكد تمام التأكد من حقيقة مشاعرها؟! أحسست في الرواية أن الكاتب كأنما أراد إظهار طارق أبو النور ضحية تلاعب أمل بمشاعره وتجاهل لهفته وشوقه، بينما لم يصلني شعور أن الكاتب قد قام بتحميل طارق أي نوع من لوم النفس وتأنيب الضمير، فطارق لم يُسامح أمل ولم يخفق قلبه عند تصريحها بحبها له، وإنما مشاعر الخوف من هزيمة ثالثة طغت على كل ما يُكنه لأمل من حب إذا لم تكن صادقة هذه المرة أيضا، إذاً فقد نحَّى كل العواطف جانبا طالما كانت تحت وطأة ضعط ما، مثلها تماما عندما كانت لا تستطيع التعبير عن عواطفها لضغوط العمل واضطرابات المرض.

ناقشت الرواية "مِصرية" المرء التي تطارده أينما حل، فهي كاللعنة التي لا فكاك منها، عرضت أحوال وأنواع المهاجرين المصريين في أمريكا،  كما ورد بها شق سياسي عن الفساد والأسباب التي تدفع المصري للهجرة من سيطرة أصحاب المال والنفوذ.

الحوار شديد الروعة، على قدر كبير من الانسيابية والتسلسل والترابط، ملأى بالمشاهد اللطيفة الخفيفة، بالإضافة إلى المواقف التي تثير الشجن، ضمت الرواية قصيدة بعنوان "عيناك كأنهما قدري" من أروع وأعذب الكلمات والمعاني، عبَّرت عن وَلَه العاشق وهيامه بمحبوبته بصدق شديد. كما ذكر العديد من أسماء النوادي والجسور والمسارح والمدن والأنهار والمطاعم والفنادق والشوارع، مما جعل القارئ وكأنه يحيا مع أبطال الرواية يذهب معهم أينما ذهبوا.

نهاية الرواية جاءت صادمة مفاجئة، كما فاجئني طارق بموقفه أيضا، أعتقد أن محبا صادقا جياش المشاعر مثله كان ليتصرف تصرفا مغايرا لما قام به طارق أبو النور في النهاية، ولكن هذا التصرف أيضا عزز فكرتي عنه أنه كان يفكر في الحب من أجل استقراره العاطفي فقط، وليس من أجل شريكين يتبادلان نفس العواطف ويفنى أحدهما في الآخر دون مقابل، ويبقى من أحدهما بعد فناء الآخر جزءا يحيا معه بإخلاص.

اقتباسات أعجبتني:

- "مصرية المرء لعنة لا فكاك منها حتى لو سافر وهاجر وانقطع عن الوطن الأم.. هناك أشياء في الجمجمة لا مهرب منها"..

- كيف يمكن لفنانين موهوبين أن يغنوا وسط أناس تأكل  وتشرب وتتجشأ ولا يتبقى من انتباههم للفن غير ربع وعي في أحسن الأحوال"..

- "ما معنى الحب إذا لم يحمل كل شخص على تغيير بعض صفحات من أجندته؟ "..

وهل الحياة مباراة يتعين الفوز بها وسحب من نحب إلى ملعبنا حتى يضعف ويتهافت وبهذا نضمن أن نحظى بحبه واهتمامه؟ "..

- " وكأنما لا يُكتب للإنسان أن يعيش لو نجح في حل متناقضاته واعتزم أن يوقف الجموح ويحيا في هدوء"..


- " قد يفقد الإنسان استحقاقه للحياة لو نوى أن يخرج بها عن كونها حياة (أي مريرة) وقرر أن يتجه بها صوب الفردوس"..


- "لم أكن فقيرا في مصر لكني لم أحتمل سيطرة القراصنة على الحياة هناك، وكرهت فكرة أن أقضي بقية عمري وسط أناس يكذبون- بفعل الفقرـ كما يتنفسون"..

- " ما يجعل هذا المكان وطنا رائعا هو سلطان القانون الذي يسري على الجميع، والمساواة في الفرص التي تجعل للكفاح والتعب مردودا مجزيا"..

- "جزءا من وظيفة المسرح والسينما هو إطلاق المشاعر، لذلك فمن حق الناس التعبير عن مشاعرها دون أن يعترضها منافق أو متزلف.. أو حتى متعاطف حقيقي"..

- "الطلاق فيما يبدو ليس بسيطا، وقد يعتبره بعض الناس بمثابة هزيمة، هو فشل يعادل خيبة أمل المقامرفي الحصان الذي وضع عليه كل فيشه، فالإنسان حين يتزوج فإنه لا يدخرفيشا في جيبه لمرات قادمة، وإنما يراهن على شريك الحياة بكل ما يملك، لذلك فإن عملية انتهاء الزواج مهما كانت ودية فإنها تحمل انهيار آمال ظلت واعدة لمدة طويلة"..

- " الصادقون من البشر هم الذين ينتحرون.. أي شيء خلاف هذا هو مجرد محاولات فاشلة لبلوغ الصدق المستحيل"..

الثلاثاء، 13 نوفمبر 2018

جو العظيم مستعد للإبحار

https://www.goodreads.com/book/show/41660450?from_search=true
https://www.facebook.com/notes/hala-moneer-bedair/%D8%AC%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B8%D9%8A%D9%85-%D9%85%D8%B3%D8%AA%D8%B9%D8%AF%D9%8C-%D9%84%D9%84%D8%A5%D8%A8%D8%AD%D8%A7%D8%B1/10155844633626696/

"جو العظيم مستعد للإبحار".. أهلا بكم على متن جو العظيم، مائتا مهاجر غير شرعي على متن قارب الريِّس "زبيبة"..إحم إحم.. أقصد الكابيتانو "زبيبة" القائد الجنتلمان لأحد أهم السفن العظيمة التي تمخر أعالي البحار على مدى خمسة وخمسين عاما..
حسنا.. "جو" مجرد قارب ملون كحرباء، صغير الحجم بدرجة مفزعة، ضعيف الإمكانيات، لا يزيد طوله عن خمسين قدما وعرضه عن عشرين قدما، يسع بالكاد خمسين راكبا، ولكنه حمل مائتي راكب تكدسوا في باطنه وعلى حوافه حتى تعلقوا صلبا على الصاري، لا وجود لأي من الأجهزة اللازمة لإبحار آمن، ألوانه فاقعة كزي مهرج في السيرك، وهكذا استسلم لذوق "زبيبة" السخيف، ينقلب رأسا على عقب مع كل هوجة مشاكل، أعتقد أن أشرف الخمايسي أطلق على الرواية اسم "جو العظيم" من وجهة نظر "زبيبة"، فزبيبة يعتبر قاربه توأمه، ولأنه قائد معتز بنفسه على ضعفه؛ فبالتأكيد يرى هذا القارب الضعيف عظيما مثله..



الأبطال :-

1. الكابيتانو "زبيبة ربيع الحلو": 
    ريس المركب، مريض ضغط عمره سبعين سنة، يتكلم كثيرا بنفس بلاهة الأطفال..
2. المهرب: 
    الجشع الذي يحشو المهاجرين غير الشرعيين على القوارب..
3. كلام ضيف سيد طماطم:
    فلاح صعيدي في قرية نائية من صعيد مصر، ضخم البنيان متجاوز المهابة إلى البلاهة، مهاجر بسبب الفقر والاستدانة..
4. ياسين السيد جرباية: 
    فنان تشكيلي قاهري، أشعث جاف الشعر؛ اشتبكت سوالفه مع لحيته، مثقف نخبوي بلاغته الخطابية واضحة، وقوة إقناعه متجلية، يجيد لعبة التوازنات، فيحافظ على بقائه على بعد مناسب من سلطة الجهة الراغبة في استقطابه، يهاجر للتخلص من هيمنة السلطة واستعباد الجميع..
5. حسن المط خليل:
    صعيدي مهندم ذو ملامح جميلة، فاتن التقاطيع جميل المُحيا، له حاجبين وشارب كث، قد يكون مخنث أو امرأة تنكرت بهيئة رجل للتغلب على عسف المهربين..
6. بيضون جلال الرائد: 
شيخ سلفي من شيوخ السلطان، يسبغ على قيادته القداسة، ملتحي يرتدي جلباب وسروال أبيض قصير، وطاقية شبكية بيضاء، وخف ذا سيور جلدية، يحلم بالهرب إلى أوروبا هربا بدينه..
7. زغلول البيضا خليل: 
    قاهري تخلَّف في سباق المهاجرين إلى القارب من أجل حسن المط
8. البحَّار "حمود": 
    البحار الوحيد على سطح جو، ضخم البنيان، أقرع، يضع جلدة سوداء على عينه اليسرى المفقوءة، ويعرج على ساق طبيعية وأخرى خشبية..
8. شندل بشندي فانوس:
    صعيدي مسيحي متدين، يهاجر بسبب الاضطهاد الديني..

أثناء قراءتك لجو العظيم يصاحبك صخب صياح النوارس، وضجيج أمواج البحر، ترى الزبد الأبيض يتماوج ويعتلي الصخور، تعيش مأساة غرق المهاجرين غير الشرعيين والبحث عن جثثهم، وتتابع حصار الناجين منهم. تتفاعل مع دافع كل منهم لاختيار المخاطرة بحياته للهروب مما هو أقسى وأَمر. يستعرض الأزمات الناشئة على مختلف الأصعدة وبين العديد من الأيدولوجيات، وصف الوضع الاجتماعي والسياسي بدقة حيث رمز بأبطال روايته لشرائح وفئات المجتمع المختلفة من سلطة ونخب ودهماء وعقلانيين وانفعاليين ومسيحيين وسلفيين وغيرهم.


الرواية شجاعة بل جريئة، فحواها سياسي في إطار كوميدي، مليئة بالإسقاطات السياسية بوضوح وجلاء، تناقش دكتاتورية القادة، والاستبداد الديني والمتاجرة بالدين، رمز للثورة بالنوات التي تهاجم القارب في وسط البحر، تستعرض تزلف المثقفين رأس السلطة وتغيير الخطاب والتلون، تقارن بين اضطهاد السلطة للمسلمين وبين اضطاهدها للمسيحيين. 


الرواية عظيمة اللغة، بسيطة البناء، تجذب القارب حتى نهايتها لمعرفة لمن ستكون الغلبة، اعترف الكاتب بوجود مزيد من الإسهاب والإطناب الذي قد يبعث على الرتابة ولكن برره بأنه الشر الذي لابد منه، السلفية التي التحق بها الكاتب في جزء من حياته سهلت عليه تجسيد السلفي القح في الرواية، تشبيهاته جاءت قوية، يرسم الابتسامة على الشفاه في أكثر من موضع. لقد تفوَّق الخمايسي في الخروج من بوتقة البحث عن الخلود ليكتب ببراعة وشجاعة عن قضايا شائكة في وقت الأشد حرجا وخطرا.


وهذه مجموعة من العبارات التي راقتني: 

- أن لا يكون هناك ما يخشى عليه المرء، ولا من يخشى عليهم، فهو الفراغ الذي قد يضطَّر المرء لتعبئته بارتكاب جرائم، أو الإقدام على أفعال جنونية، مثل الرغبة في هجرة غير شرعية دونما سبب حقيقي!
- إزاء الأنواء لا سبيل للنجاة غير الاستسلام، وترك الأمور تجري على أعنَّتها..
- الموت مرة واحدة أهون من حياة أموت فيها كل يوم ستين مرة..
- من قال أن الحل هو الإشارة إلى الحل؟ الحل هو كيفية الوصول إلى إنفاذ الحل..
- الأقدار والحظوظ تحابي من لا يخطط، ولا يتدبَّر، ولا يفكر..
- الشعوب بطبعها حين تقدِّم احترامها لا تُقدمه إلا للمفترس، مهما كانت طريقته في الإفتراس دنيئة أو نبيلة. فقط سرى في روعها أن للمفترس الحق في الاستحواذ على كل الاحترام، شأنه شأن كل متغلِّب..
- لا شيء مؤكد في عصر يُطالب فيه الجميع بتحطيم الأطر، والثوابت، والتفكير خارج الصندوق..
- كم من أمور غير قابلة للتصديق مع ذلك تُكَرِّس لنفسها وجودا عاديا في هذا العالم!
- الحسابات المادية الصماء تصير، مع الوقت، أوكارا صالحة لسكنى أفاعي القلق والانهيار النفسي، لكن ماذا لو أنهم يرون بأفئدتهم أيضا؟.. سيرون الله، وسيضيفونه إلى المعادلة، لينزع أوكار اليأس من قلوبهم، سيصبح اجتياز المآزق أسهل، حتى لو احتاج اجتيازها لمعجزات. فليس قادرا على صنع المعجزات سوى الله..
- لا يعذَّب الإنسان منا بأقسى من التشبث بأمل مستحيل. لذلك أرى أننا لو ألقينا بالأمل المستحيل وراء أظهرنا، أمكننا الاستمتاع بحياتنا هنا..
- ربما حين تختفي السلطة، ويختفي الأتباع، وتنطفئ بؤر الاهتمام، يختفي العداء..

الاثنين، 12 نوفمبر 2018

هل تُصدِّق كل ما تشاركه على واتساب؟

جاءني على جروب الأصدقاء في تطبيق “واتساب” المنشور التالي: ” نأسف لإظهار مشهد العملية ولكن التحذير واجب: شاهدوا كِلْيَة الذي لا يشرب كفايته من الماء، ويعتمد في أكله وشربه على المشروبات الغازية. انظروا للحصى الذي تكوِّن بسبب قلة شرب الماء”.
وبعد هذا المنشور جاء مقطع فيديو تبلغ مدته  44 ثانية، يرافقه تعليق مثبت يقول ( عمل سنكَ مثانة) إنها لغة آسيوية أعتقد أنها الأوردية، ويظهر في الفيديو يد جرَّاح تستخرج عضوا ما من أحشاء كائن ما، فتشُقه بمشرط الجراحة، ثم يبدأ الجراح بالضغط على العضو كمن يُفْرِغ بالون من الهواء، لتخرج منه عشرات الكتل الصلبة مختلفة الأحجام والأشكال، بعضها يبدو مفلطحا حادا أشبه بالحصى، والبعض الآخر يبدو منبعجا مكوَّرا أشبه بحجارة..
بالطبع المشهد يُدْمي القلب ويُوجِع الجسد، هل من الممكن أن تصبح كلية الإنسان في هذا المشهد المؤلم؟! كيف لإنسان أن يتحمَّل كل هذا العدد من الصخور في كليته؛ وهي التي بحجم قبضة اليد؛ ولا يوجد فيها سوى حوض صغير جدا يتصل مباشرة بالحالب؟!!
فعندما تتواجد حصوة صغيرة حقيرة في المثانة أو حتى بعض البلورات فإنها تُدْمي البول وتخلق الالتهابات، ولو تواجدت أصغر حصوة في الكلية فإنها تُسبب الآلام المُبرحة للمغص الكلوي.
عندها تذكرت مشهد لحجارة ضخمة كروية، يُزَيِّن بها بعض جراحي المسالك البولية مكاتب عياداتهم، يصل حجم بعضها إلى حجم قبضة اليد ووزنها يتعدى نصف الكيلو، وهي عبارة عن الحصوة التي قد تتكون في مثانة المريض على مر الزمن لعدم استطاعته ماديَّا الذهاب لاستخراجها متحملا بذلك أفظع أنواع الألم (كما أفاد الطبيب بعد تعجبي من تكون حصى بمثل هذا الحجم الخرافي).

عندما تداعت كل تلك الأفكار في عقلي انتبهت! إذا العضو الموجود في الفيديو مثانة وليست كلية، لأن أنسجة وتشريح الكلية ليست مجرد كيس مُجَوَّف، ثم لفت نظري أسفل الفيديو جملة بالإنجليزية تقول (nicevilleanimalclinic) .. “animal” ؟! ..
إذا الفيديو هو عملية جراحية لاستخراج حصى من مثانة حيوان، بحثت على “تويتر” فلم أجد صفحة العيادة، حتى وجدتها على “انستجرام” بعنوان ( Niceville Animal Clinic )  صفحة جراحة بيطرية تُدعي Dr. Jenny Fortune)) تُجري العمليات الحرجة للحيوانات، ووجدت صورة أشعة الحيوان وأحشائه تحوي كل ذلك الكم من الحصى، حيث كانت أنثى كلب تُعاني من التبول كل 10دقائق. واللينك التالي يحوي الفيديو الأصلي لعملية استخراج الحصى من المثانة على انستجرام.


https://www.instagram.com/p/BaCMxrlALyy/?utm_source=ig_share_sheet&igshid=125wec31rgnrs&fbclid=IwAR0vB9ua3WcAOoJjGIjAqIRVkUPtQk08XZjhQh3MjRMp8fbKSszN_AF5ic0
دائما وأبدا ما يَخلق التعليق الذي يُصاحب صورة أو مقطع فيديو حكما مسبقا على المحتوى، إذ يُساهم بشكل كبير في تشكيل تلقي واستيعاب المشاهد، يُصبح أشبه بخداع عقلي، مثله مثل الخداع البصري الذي ترى فيه العين على خلاف الحقيقة. فهذا المقطع قام آسيوي بمشاهدته على انستجرام، ثم قام بنشره بلغته، ثم وصل بشكل ما إلى واتساب في موبايل أحد العرب، الذي أحب أن يضع عليه لمسات النصائح الطبية المجانية فوضع معه تعليق بالعربية؛ يشرح فيه أن من لا يشرب الماء بشكل كافي ويعتمد على المياه الغازية ستتكون الحصى في كليته بهذا الوضع المُزري. ومما عزَّزَ التصديق بسهولة أيضا؛ أن التعليق جاء بلغة أجنبية، (بالرغم أنني لا أعتقد أن مثانة هي الترجمة الأوردية لكلمة كلية)، وسيساعد في ذلك أيضا قلة أو انعدام المعلومات عن محتوى المشهد، كما أن تطبيقات مثل “واتساب” يعتمد مستخدموه على سهولة وسرعة نشر ومشاركة البوستات، ولن يُحَلِّل كل شخص ما يستلمه من صور وفيديوهات ومنشورات مطولة ليتأكد من سلامة ودقة وصدق محتواها قبل تبادلها مع معارفه.
تطبيق واتساب رائع للتواصل بين الأقارب والأصدقاء وزملاء العمل، وبالرغم أنه مفيد في سهولة التواصل وتبادل التهاني والمنشورات الطريفة؛ إلَّا أنه يلعب دورا كبيرا في نشر الأخبار الملفقة، والمعلومات المغلوطة مثله مثل باقي مواقع التواصل الاجتماعي ولكن يبقى الفارق أنه محدود في مجموعات صغيرة العدد مغلقة على نفسها؛ مما يجعل وسيلة التصحيح وتدارك الخطأ بطيئة وغير فعالة ومحصورة، وتعتمد على إمكانية وقدرات الشخص ذاته في البحث والتقصي قبل التصديق وبث المحتوى الوهمي.

أشرف الخمايسي: “جو العظيم” إسقاط على الواقع العربي بشكل ساخر

https://www.e3lam.org/2018/11/06/364450


أديب مصري، قاص وروائي، له أسلوبه المميز في السرد، لغته الغنية، وبنائه المحكم، وحبكته المشوقة، وأفكاره الفلسفية؛ ما جعلت عدد من أعماله يصل للقائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر"، صدر له العديد من الأعمال الأدبية، منها ثلاث مجموعات قصصية هي: "الجبريلية"، "الفرس ليس حرا"، "أهواك". وأربع روايات في فكرة البحث عن الخلود وهزيمة الموت وهي: "الصنم"، "منافي الرب"، "انحراف حاد"، "ضارب الطبل". ومؤخرا روايته الجديدة بعنوان "جو العظيم" والتي تتناول مجموعة من المهاجرين غير الشرعيين على متن قارب قديم متهالك في عرض البحر دون أي وسائل أمان أو اتصال للنجدة، يتعايشون ويتفاعلون ويتصارعون وهم من مختلف الانتماءات والطباع والأديان، أثناء توجههم جميعا وبقوة نحو مصير مجهول.


"جو العظيم" هي أحدث رواية للقاص والروائي المصري أشرف الخمايسي، صادرة عن دار الشروق، ويربو عدد صفحاتها إلى أربعمائة صفحة، وقد قام إعلام دوت أورج بإجراء حوار مع الكاتب، وفيما يلي نص الحوار:

- اذكر لنا فكرة موجزة عن رواية "جو العظيم".


الرواية عبارة عن إسقاط على واقع حالي في الدول العربية، وهي تجربة جديدة تختلف عن رواياتي الأربع السابقة، فبهذه الرواية أخرج خارج إطار ثنائية الموت والخلود، للاهتمام بالواقع الذي يعيشه الإنسان العربي.


- هل كان اختيار العنوان سهلا، ومتى تم الاستقرار عليه؟


كان الاختيار سهلا جدا بالمقارنة بالروايات السابقة، فعادة ما أخرج من داخل النص بالعنوان كومضة أو بريق، وقد أشار أحدهم إلى العنوان بأنه يتشابه مع رواية "جاتسبي العظيم" للكاتب الأمريكي "فرنسيس سكات فيتزجيرالد"، ولكني لم أكن أعرف عن تلك الرواية شيء.


- حدثنا عن المدة التي أتممت فيها كتابة "جو العظيم".


بالرغم أنها أطول رواية، إلا أنها لم تأخذ معي وقتا طويلا، خمس أو ست شهور فقط، بخلاف رواية "ضارب الطبل" التي استغرقت ما يقرب من السنتين، "جو العظيم" خرجت بانسياب وبساطة، كما أنها الوحيدة التي خرجت بمرح.


-  ما هي أنواع الصراعات أو الأزمات على سطح جو العظيم؟


صراعات مختلفة، صراعات القادة مع المَقودين، صراعات أيدولوجيات فكرية، صراعات دينية بحتة، أي الصراعات البشرية عموما على مستوى السلطة والإنسان.


- أسماء الأبطال جاءت فكاهية للغاية، فهل لها أي دلالات؟


بالفعل لها دلالة كوميدية ساخرة، "جو العظيم" قالب متهالك، الكابتن "زبيبة" قائد فَكِه وحديثه نكتة، لتجسيد الأزمة بشكل بسيط.


- في مواقع عديدة من الرواية أحس القارئ بمزيد من الإسهاب، هل هذا هو نهجك في الكتابة؟


ليس من الكتاب أو الشعراء من يحب الإسهاب أو الإطناب أو الزيادات، ولكن أحيانا يضطر الأديب للإسهاب رغما عنه، ولذا أعترف أن الرواية حوت بالفعل حوارات طويلة تأخذ مقدار صفحة، وقد تؤدي إلى الرتابة، ولكنه الشر الذي لابد منه، أو قد تكون خطأ صدر مني، وجلَّ من لا يخطئ.



- لماذا استغرقت ثنائية "البحث عن الخلود وقهر الموت" عدد كبير من أعمالك؟

إنه هاجس شخصي، فالرواية وسيلة للحصول على الخلود، والانتصار على الموت والغياب.


- رواياتك في ثنائية الموت والحياة هي: "الصنم"، "منافي الرب"، "انحراف حاد"، "ضارب الطبل"، وقلت أنك ستنتصر على فكرة الموت بإتمام روايات خمس، فأين هي الرواية الخامسة؟


الرواية الخامسة وهي "ضيف الله" مكتوب فيها عدد لابأس به من الكلمات وأفضِّل ألا أتأخر فيها، ولكن لابد من أن أختم تلك الثنائية ختاما مضبوطا، ولكنه سيكون ختاما مخيفا وصادما جدا يكاد يكون محطِّم.

- تحدثت فيما سبق عن إعدادك لرواية "صوفيا هارون" .. هل لازالت قيد الإعداد؟

رواية "صوفيا هارون" في نصفها ولازالت في الانتظار.



- ما الذي يميز رواية "جو العظيم" عن أعمالك السابقة؟

تتميز بالبساطة في التناول والبناء، فهي كالروايات الكلاسيكية لها بداية ووسط ونهاية، تتميز ببساطة الطرح واللغة، ولأول مرة أكتب الإهداء لشخص بعينه، وهو الدكتور أحمد خالد توفيق رحمه الله، ولقد قال أحدهم أن رواية "انحراف حاد" كانت في ميكروباص، ورواية "جو العظيم" في مركب، إذا فأشرف الخمايسي يكرر نفسه، وأقول هنا؛ في "انحراف حاد" لم يكن يوجد أي تفاعل بين الأبطال، أم في "جو العظيم" فالصراع الآني يجمع الأبطال، فالأمر ليس محصورا في مكان يجمع مجموعة أشخاص.



- انعزلت عن الحركة الأدبية لمدة عشر سنوات انضممت خلالها للحركة السلفية، فكيف أثرت السلفية على روح الأديب؟


أثرت السلفية بشكل إيجابي، فلم أخرج من الطائفة لألعن البشر المتدينين، بل تابعت تجارب ناس آخرين ومختلفين، وقد ساعدتني في استخلاص أفكار لكتابة رواية "منافي الرب"، فصححت موقفي من السلفية عموما في أي دين، فعلى المثقفين لو أرادوا فهم الروح؛ عليهم استيعاب الآخرين، فلقد جاءت الأديان لمساعدة الإنسان لسلوك طريق عبادة الله، فالطريق وسيلة وليس غاية، ولقد آمن الله بالإنسان وخلقه، قبل أن يؤمن الإنسان بالله ويعبده.



- صرحت سابقا أنك تتعمد صناعة الجدل والصخب، هل مازلت تتعمد ذلك؟

كان هذا وقت الشباب، أما الآن فأنا هادٍ جدا، ولكن شخصيتي لا تحب الهدوء، بالعكس أحب الضجيج ففيه النور والونس، وبالرغم أني هدأت قليلا في الإشارة للخطأ، لكني مازلت صاخبا في قضايا هامة، فأنا ضد التطبيع، وضد الدكتاتورية.


- هل يمكن إدراج رواية "جو العظيم" ضمن سلوك إثارة الجدل؟


ليست إثارةً للجدل، وإنما رواية جريئة وشجاعة، ملأى بتلميحات واضحة على الواقع، ومحاولة لقول "لا".


- اعتزازك بنفسك ومديحك لأعمالك قد يُدخلك دائرة الاتهام بالغرور والنرجسية، ألا تخشى ذلك؟

لا أخشى ذلك فيما لو كان التعامل مع ناس مثقفة، فالغرور هو التعالي على الآخرين، أما إذا كان الدافع تحفيز النفس فهذا ليس غرورا.


- هل صرحت سابقا أنك لا تقرأ كثيرا في الفلسفة، فهل كانت النشأة وخبرات الحياة سببا في آرائك الفلسفية وتساؤلاتك الوجودية؟


لقد صرحت أنني لا أقرأ كثيرا في الروايات، ولكني قرأت في الفلسفة، مثل الكوميديا الإلهية، والإلياذة، وقصة الحضارة، وأمهات الكتب، وغيرها الكثير. وجهة نظري: أن الإنسان إذا اكتشف لديه القدرة على قراءة الكون فسيكون له رأيه الفلسفي، فالفلاسفة الكبار لم يقرأوا كتبا، والفيلسوف القح له موهبة استخلاص وجهة نظره الخاصة.


- جاء إهداء رواية "جو العظيم" لدكتور أحمد خالد توفيق (رحمه الله).. كيف كانت علاقتك به؟!


علاقة جميلة ونبيلة، تعارفنا لمدة سنتين تقريبا تقابلنا فيها مرتين، كان الرجل بخلاف كل الوسط الأدبي، فعلى عظمته كان دائما يشير للعبد لله في أكثر من ندوة وحوار وصحيفة، ومنذ فترة قصيرة أرسل لي أحدهم مقال تكلم فيه عني. حينما كان حيا لم أكن قادرا على الشكر حتى لا يتحول الأمر لحفلة يشكر فيها كل منا الآخر، أما عندما مات فقد فُجِعت، وأنوي أن يكون إهداء كل أعمالي القادمة له.


- ارتبطت عدد من أعمالك بدار الشروق، فما السبب؟

"ضارب الطبل" و "جو العظيم" فقط من إصدار دار الشروق، أما تعاملي السابق كان مع "الدار المصرية اللبنانية" وهي من أفضل الدور التي تُصدر الكتب أفضل إخراجا، ولكن للأسف كان لي مطلب خاص بعيدا عن التعاقد، إذ وددت التعامل مع أعمالي بشكل مختلف يتطلب دعايا ضخمة، فاتجهت إلى الشروق.
- كيف ترى حركة الأعمال الأدبية الآن ومدى ارتباطها بالواقع؟

أقرأ الروايات التي يبعثها لي الشباب، وآخرون تجاوزا مرحلة الشباب، ولكن الكتابة عموما ليست بالثراء الواجب، ولكن في نفس الوقت ليست بالضعف المتخوف منه، فهناك أسماء رائعة، مثل: "حمَّاد عليوه" وروايته الرائعة "الحي الانجليزي"، و"أحمد القرملاوي" كاتب جميل وسيكون له مستقبل في الكتابة، وأيضا "ماجد شيحة". أما بالنسبة للروايات الفائزة؛ فهناك توجه للكتابة في التاريخ والصوفية، ولكن لماذا؟! هل يقصد أحد توجيهنا للمناطق الميتة، أم أنها حركة ارتداد؟ فالكتابة في التاريخ كي تكون فعالة لابد أن تكون من أجل المستقبل ومسايرة السباق الخارجي وإنتاج فكر إنساني خلاق.

- كيف تتوقع الدورة القادمة لمعرض الكتاب؟


لست من الأشخاص الذين يذهبون لمعرض الكتاب، ولكني لست مستبشرا، فقد علمت أن إيجار المتر في معرض الكتاب يبلغ 7500جنيه، فلكي يستأجر الدار 10 أمتار سيدفع في خمسة عشر يوما؛ خمسة وسبعين ألف جنيه، فبكم سيبيع الكتاب كي يربح؟! لكي أن تتخيلي أننا دولة من مائة مليون مواطن، لا يستطيع الكاتب فيها توزيع خمسين ألف نسخة، ومن يستطيع توزيع عشرة آلاف نسخة فقط يحتل قائمة "Best Seller".


- حدثنا عن مشاريعك الأدبية الحالية أو القادمة.


هناك أكثر من مشروع روائي أفكارهم وحبكتهم حاضرة في ذهني، وهناك رواية جاهزة للنشر، وهناك رواية أخرى أعمل عليها الآن.

السبت، 13 أكتوبر 2018

أنا تلميذة هؤلاء..

https://www.e3lam.org/2018/10/02/350501

عندما عُرِضَ عَليّ فكرة أن أكتب عن “الأستاذ” الذي أثر في حياتي أو ترك بصمة في شخصيتي، أحسست أن الموضوع سيكون سهلا في التناول، ولكن ما أن بدأت في الكتابة؛ حتى تضاربت الأفكار في ذهني، فمن سأختار؟! هل سأختار أحدا من أفراد الأسرة أو العائلة، أم من حياتي الدراسية، أم أحد الشخصيات المشهورة؟
قرّرت أن أرجع بذاكرتي لسِنِين طفولتي، تلك المرحلة التي تتشكل فيها شخصية كل إنسان، ومن البديهي أن أُقَدِّم الامتنان الأول لوالدي ووالدتي، إلَّا أنني في تلك المرحلة كنت أنعم في رحاب جدي وجدتي في دائرة من الحنان والرعاية لا أظنها تتكرر لدى أجداد هذه الأيام.
بالفعل.. أساتذتي الأُول كان جديَّ العزيزين، لقد زرعا في شخصيتي الثقة بالنفس والمثابرة والاجتهاد، وذلك من خلال تشجيعي في فترات لعبي وجدي، كنت أرى نظرات الفخر بتحصيلي درجات التفوق في سنوات الدراسة الابتدائية وكأنها حصول على شهادة في الدراسات العُليا، لقد كان لقبي لدى جدي “حمدي الفيل” هو “الدكتورة”، كان يعلم أني أريد أن أكون طبيبة مثل خالي وخالتي، كانت جرائد “الأخبار والأهرام والوفد” التي واظب على شرائها وقراءتها نواة حبي للقراءة، أعطاني كل الحب لأني حفيدته الأولى، وكان احترامه وتقديره لي منذ صغري مصدر طاقتي وعزمي على التفوق الدراسي.
أمَّا جدتي “نجيبة السلنتي” فمواهبها في الرسم والخياطة كانت بمثابة براعم لهواياتي وحبي لكل ألوان الفنون والأشغال اليدوية، تجلس على ماكينة الخياطة لتخيط لنا ملابس النوم التي أعشقها لمجرد أنها من صنع يديها، ما أملكه من نوستالجيا تليفزيون الثمانينات كانت بسبب العيش في بيت جدي، مشاهدة برنامج “حياتي” و “حديث الروح” بمصاحبة جدي، ومتابعة نادي السينما” و”أوسكار” مع خالتي، والاستماع لإذاعة القرآن وبرامج الراديو بصحبة جدي، فقط أسمع لتتر هذه البرامج حتى أرجع إلى الوراء ثلاثين عاما طفلة بريئة لم ينغص حياتها شيء بعد، رائحة لمبة الجاز أثناء انقطاع الكهرباء، والنوم في حضنها ليلا والسبحة في يدها والرقية في لسانها، علمتني صلة الرحم والبر إلى الأقارب، كانت تصحبني في زيارة إلى بلدتها، لتطوف على بيوت جميع إخوتها واحدا تلو الآخر، بل كانت تقطع مسافات بعيدة لزيارة شقيق لها في مدينة أخرى غير مدينتنا، تركب المواصلات وتشتري الهدايا، تجمع الأقارب والجيران في الأعياد تصنع كحك عيد الفطر، وتبعث بأطباقه لسابع جار، ربة منزل ممتازة لا تكل ولا تمل شملت البيت برعايتها ودفء قلبها، مثالي النموذجي للزوجة الرؤوف والأم الحنون.
وبعد أن صعدت روحهما إلى بارئها؛ لازالا حيَّيْن في وجداني بما غرساه في شخصيتي ، خصالهما سبغت خصالي، وليس لدي سوى أن أستدعي أيامهما الجميلة كلما غمرتني مشاعر حزن أو كآبة، كما أني أعيش الآن محصنة بدعائهما لي من أعماق قلبهما أن “ربنا يجعل في وِشِّي القبول”..
أعود مرة أخرى لوالديّ، أمي “سهام الفيل” التي لن يضاهيها أحد في التضحية والتفاني والتسامح وقوة التحمل والصبر، وأبي “منير عبد الحليم بدير” الذي كان يُربينا من خلال النصيحة الرقيقة والمعاملة اللينة، والذي كان مثالا في التواضع والاحترام، وزوجي “علاء الدين العبد” الذي كان “أستاذا” في بناء الأسرة والمثابرة في العمل، ومثالا للحب والإخلاص.
وها أنذا لا زلت أطفو فوق موج الذكريات، طفلة بضفيرة على ظهري، أسير في الشوارع حتى مدرستي الابتدائية، فكل معلم في تلك المرحلة أدين له بالفضل، من علمَّني حروفي الأولى، ومن لَقَّني آيات قصار سور القرآن الكريم حتى حفظتها، ومن جعلني أحفظ “جدول الضرب” عن ظهر قلب، ومعلمة علمتني كيف أنَظِّم أفكار موضوع التعبير، وتلك التي علمتني أساسيات “الحبكة والحياكة/ الكروشيه والتريكو”، ومعلم آخر نَحَتَ فيّ أن “من غشنا فليس منَّا”.
أعتقد أن كل شخص مرَّ بحياتي كان “أستاذا” في شيء ما، فمؤكد أنَّ لكل منا جانب أو أكثر مثير للإعجاب، وإنِّي لأرى أنه بمجرد أن يمتلك الشخص سمة مثيرةً للاهتمام أو ما قد يُعدّ تميزا فإنه يستحق عندها لقب “الأستاذ”.
“أستاذ في الطب” الطبيب الذي يشعر بآلامي ومعاناتي قبل أن يكتب لي العلاج..
“أستاذ في التداوي” صوت عبد الحليم وموسيقى عمر خيرت وكلمات الأبنودي في لحظات الضيق..
“أستاذ في المقاومة” كل شخص لا يستطيع التحكم في جسمه بنسبة مائة بالمائة، وقد حٌّقَّقَ إنجازا لم يقدر عليه الأصحاء..
“أستاذة في الكفاح” الفتاة التي تتمرد على ظروف بيئتها ومجتمعها المغلق فتنطلق وتثبت ذاتها..
“أستاذ في الإيثار” الطفل الصغير القاصر الذي يعول أسرته ويسعى ويكد في العمل إلى جانب دراسته..
“أستاذة في التفاني” المرأة التي تقف في ظهر الرجل، و”أستاذ في الشهامة” الرجل الذي لا يُحبط المرأة..
“أستاذ في الرحمة” من يعامل الحيوان ككائن حي يشعر ويتألم..
“أستاذ في الكرم” كل من يفعل الخير ولا ينتظر مردوده..
أتمنى بدوري أن أكون “أستاذة” في شيء ما، أترك أثرا طيبا في حياة من حولي، فيتذكرني أحدهم بالخير..

“عيار ناري”.. عن الحقيقة اللي بـ 100 وش

https://www.e3lam.org/2018/10/05/352179


https://www.facebook.com/notes/hala-moneer-bedair/%D8%B9%D9%8A%D8%A7%D8%B1-%D9%86%D8%A7%D8%B1%D9%8A-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%8A-%D8%A8%D9%80-100-%D9%88%D8%B4/10155778952511696/


عُرِضَ فيلم “عيار ناري” لأول مرة خلال فعاليات مهرجان الجونة السينمائي في دورته الثانية، وقد تم عرضه بالأمس الأربعاء 3أكتوبر لأول مرة في دور السينما، الفيلم من بطولة أحمد الفيشاوي في دور الطبيب الشرعي “ياسين المانسترلي”، ومحمد ممدوح في دور “خالد أبو زيد” أخو الشهيد، والفنانة روبي في دور الصحفية ” مها عوني”، وعارفة عبد الرسول في دور “أم علاء” أم الشهيد ، وأسماء أبو اليزيد في دور “سلمى” خطيبة الشهيد، وضيوف الشرف هم: أحمد مالك في دور الشهيد “علاء أبو زيد” ، وهنا شيحة في دور أخت الطبيب، وصفاء الطوخي في دور مديرة الطبيب الشرعي، وأحمد كمال والد الطبيب الشرعي ووزير صحة سابق، وسامي مغاوري رئيس تحرير الجريدة التي تنشر تقارير الوفاة.
قصة الفيلم تدور حول الطبيب الشرعى ياسين المانسترلي، طبيب يعاقر الخمر حتى أثناء أداء مهام وظيفته، علاقته مع أبيه وزير الصحة السابق شبه مقطوعة بسبب اتهامه في قضايا فساد، يقوم بتشريح عدد من جثث المتظاهرين الذين سقطوا في مظاهرات لاظوغلي إبَّان ثورة 25 يناير، وقد جاء تقرير تشريح جثة أحد المتظاهرين وهو علاء أبو زيد “أحمد مالك” مخالفاً لتقرير وفاة السبع جثث الأخرى والتي تزامن حضورها المشرحة مع جثة علاء، حيث جاء في التقرير أن الوفاة كانت بسبب عيار ناري أُطْلِق عليه من مسافة قريبة جداً قد تقل عن المتر، وليس برصاص قناصة من على مسافة بعيدة كتقرير بقية الجثث، ومن ثم يتسرب ذلك التقرير للإعلام مسبِّبا غضب أهل وأصدقاء الشهيد، ومثيراً لغطاً كبيراً ضد مصلحة الطب الشرعي، مما يضطر مديرة الطبيب ياسين للتدخل للتأكيد على فبركة الصحافة للتقرير، وعندما يحاول الطبيب إثبات صحة تقريره تستغل مديرته إدمانه للخمر للإساءة لسمعته ووقفه عن العمل، مما يجعله يدخل في محاولات مستمرة من أجل إنقاذ شرفه ومهنته.
يُصنَّف الفيلم من أفلام الجريمة والدراما الملأى بالتشويق والإثارة تدفع المشاهد من اللحظات الأولى للتفكير في حقيقة ما حدث، كما أن تصاعد الأحداث جاء بوتيرة زادت من شدة الغموض، وكثَّفت من عدد علامات الاستفهام المحيطة بكل المحيطين بالقتيل.
الحبكة الدرامية كانت متقنة بشكل ممتاز، فسلوك كل بطل أوحى للمشاهد أنه قد يكون هو طرف خيط في الوصول للقاتل، الطبيب المخمور قد يكون هو من أخطأ في كتابة الصفة التشريحية، والأخ الذي قد يبدو على سلوكه البلطجة متهم أيضا، وتفاصيل العلاقات المتشابكة تضع الكل في دائرة الاتهام.
أحمد الفيشاوي أبدع بتعابير الوجه إذ أتقن دور الشخصية الانطوائية التي تكتفي بالعيش مع الجثث، ومحمد ممدوح أقنع المشاهد في لحظات البلطجة كما أقنعه في لحظات الضعف والاستسلام، إلا أن مشهده الأول الناطق في الفيلم لم تكن كلماته واضحة، روبي ممثلة روعتها في بساطتها كما أتقنت دور الصحفية المثابرة التي تبحث عن السبق الصحفي والمضغوطة تحت أوامر ونواهي ونهر رؤسائها، أما عن أسماء أبو اليزيد فمازالت تحصر نفسها في دور الفتاة الشعبية المهزومة المغلوبة على أمرها، أما عارفة عبد الرسول فهي عملاقة في دور الأم المفجوعة في كارثة تقسم البيت وتشتت أفراده. الفيلم تأليف هيثم دبور، إنتاج شركة IProductions، الموسيقى التصويرية أمين أبو حافا، والإخراج كريم الشناوي.
قد يتبادر إلى ذهن بعض المشاهدين أن الفيلم يُوَجِّه رسالة سياسية ما لاتهام الطب الشرعي بالفساد وفبركة شهادات الوفاة، أو محاولة لتبرئة الداخلية من أعمال القنص التي حدثت إبَّان ثورة يناير2011، إلَّا أن الفيلم يتعدَّى أي حالة جدل حول هذه المسائل. ومنعا لحرق أحداث الفيلم فإن المشاهد المنصف سيكون هو الحكم بنفسه لنفي أي محاولة لوسم الفيلم بتهمة تجريد شهداء ثورة يناير من لقب الشهيد، فالحوار بين أبطال الفيلم وملابسات حادثة سقوط القتيل، ومن ثم كشف غموض الحدث في النهاية واضحة لا تحتاج لتفسير ولا تبرير مواقف، فالفيلم يتناول جوانب إنسانية كثيرة، كما أنه يعرض مفهوماً فلسفياً لمعنى الحقيقة، وأنها قد تكون ( ب 100 وش)، وعلى عكس ما يُردِّده أغلب الناس ويقتنعون به، وأن الحقيقة لا تكون بعدد من يُصدِّق الحدث وإنما بواقعه الفعلي. فكفاح الطبيب في البداية كان لمجرد إثبات صحة تقريره ومهنيته وكفاءة عمله وليس الوصول للحقيقة، حتى قاده ذلك في النهاية ليقف مختاراً بين أن ينصر الحق أو يكشف الحقيقة..

الجمعة، 31 أغسطس 2018

"في حضرة نجيب محفوظ" .. شكرا محمد سلماوي




هل تعرف الأديب الكبير نجيب محفوظ حق المعرفة؟.. ربما نعم، أمَّا إن كانت إجابتك متشككة فإني أدعوك لقراءة كتاب "في حضرة نجيب محفوظ" للكاتب محمد سلماوي، والصادر عن الدار المصرية اللبنانية في 2012.
ربما قرأت الكثير من أعمال محفوظ الروائية، أو شاهدتها سينمائيا، ولكنَّك لم تكن لتعلم عن محفوظ الإنسان المتسامح البسيط المتواضع إلَّا من أكثر الناس قربا له، ومن هؤلاء "سلماوي" الذي ظل في حضرة محفوظ على مدار اثنى عشرة عاما، يذهب إليه في بيته أيام السبت من كل أسبوع ليسجل معه الحوار الأسبوعي، حتى وصل مجموع هذه التسجيلات لما يزيد عن خمسمائة ساعة، يأتي إليه بالأصدقاء وكبار الشخصيات، ويُمثله في المحافل الدولية ويُلقي الكلمة نيابة عنه.
من خلال أربعمائة صفحة مقسمة إلى أربع أبواب يبهرنا سلماوي بمئات من المواقف والتصريحات والتعليقات من الأديب الذي رفع هامة الأدب العربي عالميا بحصوله على نوبل في الأدب عام 1988، والذي تسلمها سلماوي بنفسه نيابة عنه من الأكاديمية السويدية.

الباب الأول بعنوان "لقاءات معه" حوى العديد من لقاءات محفوظ  بكبار الكتاب العالميين، والشخصيات الدبلوماسية وأصحاب الفكر والقلم، والأصدقاء، أثناء زيارتهم محفوظ في بيته، وملخص الأحاديث الهامة والودية والطريفة التي دارت بينهم وبين محفوظ في بيته، إذ كانت أغلب هذه اللقاءات تشغل أيام السبت في منزل محفوظ لعدم قدرته الصحية على الخروج، مهما بلغت أهمية سبب وصاحب الزيارة، لازدحام جدول محفوظ وتوزيعه بدقة لأيام الأسبوع بين الأسرة والأصدقاء والمريدين، حتى أنه تقلَّد أسمى الأوسمة داخل حجرات بيته.

أما الباب الثاني فكان بعنوان "مقالات عنه"، وهو ما كتبها الأستاذ محمد سلماوي على مدار ما يزيد عن عقدين من الزمان في أكثر من مناسبة، ما نُشِر منها وما لم يُنشر، وتتعرَّض تلك المقالات لحياة محفوظ، فيجد القارىء نفسه في معية محفوظ يتعرَّف عليه أو يعرفه كأنه صديق أو قريب، يلمس فيه كل معاني الإنسانية ويفتقد رحيله.

أما الباب الثالث فهو بعنوان "كلمات له" وفيه مجموعة من كلمات محفوظ نفسه وحكاياته في مواقف مختلفة، كما يضم كلماته الافتتاحية أو الرئيسية في عدد من المحافل الدولية.

أما الباب الرابع فبعنوان "صور له" يضم عددا من صور الأديب الراحل نجيب محفوظ، التقطت في العديد من المناسبات التي ذكرها سلماوي وغيرها مما لم ترد بالكتاب.

من كتاب "في حضرة نجيب محفوظ" تستطيع أن تعرف كيف أحب محفوظ الموت كما أحب الحياة، نظام حياته الصارم التنظيم الهادئ الأحداث، قصة قلمه الأسود الشيفر الذي عاد إليه بعد وفاته، الرد على كل حاقد ومغالط في أسباب حصوله على جائزة نوبل، تقديسه للقضية الفلسطينية، عدم مهادنته لأي سلطة، قوته وصموده في وجه الاغتيال المادي والمعنوي، احتفاء الغرب بذكرى ميلاده مقابل إهمال وتجاهل جهاز الإعلام في بلده، كيف يكتب وماذا يصنع بمسودات الكتابة، مكانة الرواية الفرعونية في أدبه، ومتى توجَّه إلى الرواية الواقعية، تواضعه واستهانته بالنقود، كيف يحفظ أحلامه حتى يأتي وقت إملائها لعجز يمناه عن الكتابة، كيف ومتى اكتملت الموهبة الأدبية لديه.

مع الكتاب ستبتسم لدعابات محفوظ، وسيرق قلبك لتسامحه وزهده، وستأخذ درسا في فلسفته، وسيدفعك دفعا لاقتناء وقراءة كل إبداعاته.

في ذكرى رحيله.. مواقف “في حضرة نجيب محفوظ”


https://www.e3lam.org/2018/08/30/338868

https://www.e3lam.org/2018/08/30/339122
https://www.facebook.com/notes/hala-moneer-bedair/%D9%81%D9%8A-%D8%B0%D9%83%D8%B1%D9%89-%D8%B1%D8%AD%D9%8A%D9%84%D9%87-%D9%85%D9%88%D8%A7%D9%82%D9%81-%D9%81%D9%8A-%D8%AD%D8%B6%D8%B1%D8%A9-%D9%86%D8%AC%D9%8A%D8%A8-%D9%85%D8%AD%D9%81%D9%88%D8%B8/10155690160731696/


كان الأديب الكبير نجيب محفوظ يجيب دومًا من يسأله عن سبب عدم كتابته سيرته الذاتية، بأن حياته ليس فيها ما يهم أحدًا، وبالرغم أن حياته الطويلة التي تعدَّت تسعين عامًا كانت حافلة بالإنجازات والنجاحات التي لم يسبقه فيها أحد، إلَّا أنه بلغ من التواضع الذي يجعله معتبرًا حياته حياة عادية ليس فيها ما يتم توثيقه، ولكن كتاب “في حضرة نجيب محفوظ” للكاتب محمد سلماوي؛ ذاخر بالمواقف والحكايات عن نجيب محفوظ، اجتهدت أن أنقل بعضًا منها، مما قد يكون طريفًا أو إنسانيًا أو إرشاديا، إمَّا تلخيصًا مما ورد على لسان سلماوي، أو نقلا بالنص عما رواه محفوظ بلسانه أو نقلا عنه، وفيما يلي بعض الحكايات المنتقاة.
ثمن أول كتاب لنجيب محفوظ
أول كتاب أدبي صدر لمحفوظ هو رواية “عبث الأقدار” وكان ثمنه قرش صاغ واحد؛ (وياريته أخذه كمان)، كان ذلك في عام 1938 فلم يتقاضَ أجراً عن الكتاب، بل حصل من الناشر على 500 نسخة، أخذها على عربة حنطور ووصل بها إلى أقرب مكتبة، فتفاءل باسمها “الوفد”، وعرض الكتب على صاحبها، فقال له: “مين نجيب محفوظ ده؟!” فقال له أنه هو، فقبل عرض الكتاب في مكتبته على أن يبيعه بقرش صاغ واحد، كلما بيعت نسخة سيعطيه تعريفة ولصاحب المكتبة تعريفة.
ظل محفوظ يمر على المكتبة كل يوم ليسأل صاحبها عن أي نسخة قد بيعت، لكن الإجابة كانت أن أحدًا لم يشترِ الكتاب، حتى يوم مر بالمكتبة ولم يجد الكتب في العرض فظن أنها بيعت كلها، إلَّا أن صاحب المكتبة أخبره أنه أودعها المخزن لأنها “ملهاش سوق”. ولكن بعد صدور رواية “خان الخليلي” التي ذاع صيتها اكتشف محفوظ أن صاحب المكتبة أخرج نسخ “عبث الأقدار” من المخزن وكان يبيعها بخمسة قروش، لكنه كان يحاسبه على الاتفاق القديم، فكان لا يحصل من الخمسة قروش إلا على الخمسة مليمات المتفق عليها!
قلم محفوظ الذي عاد إليه بعد وفاته
شاب خرج لتوه من اعتقال سياسي قضى على موهبته الأدبية، قابل نجيب محفوظ سائرًا على قدميه في أحد شوارع القاهرة، فلما وجد من محفوظ استجابة في التحية تشجع وشكا له همه، ولكن محفوظ لم يواسه أو يُطَيِّب خاطره وإنما دعاه لحضور لقائه الأسبوعي بكازينو قصر النيل، قائلا له: “سأكون في انتظارك فلا تتخلف”، ذهب الشاب ووجد نفسه بين عمالقة الفكر والأدب، وشكر محفوظ في نهاية اللقاء، ولكن محفوظ قال له: “موعدنا الأسبوع القادم إن شاء الله”، وهكذا واظب الشاب على حضور جلسات محفوظ.
وبعد عدة أسابيع بدأ يشارك على استحياء، وفي نهاية أحد هذه اللقاءات قال له محفوظ: “إنك لم تأتني حتى الآن بأي شيء كتبته!”، فقال له الشاب: لقد بدأت الأفكار الأدبية تداعبه من جديد، ولكنه لا يملك ثمن القلم والورق، فأخرج محفوظ من جيبه قلم “شيفرز” أعطاه له قائلا: “هذا هو قلمي لتكتب به”، ثم أعطاه عشرين جنيها قائلا: “وهذا ثمن الورق، أما النشر فاتركه لي”.
هذه القصة الإنسانية المؤثرة رواها رجل للأستاذ محمد سلماوي، وقام بإعطائه هذا القلم الذي ظل محتفظا به لسنوات، ويرقد الآن هذا القلم الأسود ذو الغطاء الذهبي وسط مجموعة من متعلقات نجيب محفوظ في خزانة عرض متحفية خاصة بالمبنى التاريخي لاتحاد الكتاب بقلعة صلاح الدين، إلى جانب كلمته في احتفالات نوبل بخط يده والعصا التي كان يتكىء عليها.
الخطة الأولى لحادث الاغتيال
– ما رواه محفوظ لسلماوي:
عندما ذهب الكاتب محمد سلماوي إلى الأديب نجيب محفوظ في مستشفى الشرطة عقب حادث الاغتيال الغاشم، قام محفوظ برواية ما حدث كالتالي:
“أنا لم أرَ الشاب الذي اعتدى عليَّ.. لم أرَ وجهه.. الذي حدث هو أنني وأنا أهُم بركوب السيارة لأذهب لموعدي مع أصدقائي الندوة الأسبوعية، وجدت شخصا يقفز بعيدا، وكنت قد شعرت قبلها بثوان معدودة وكأن وحشا قد نشب أظافره في عنقي، وقد دهشت ولم أدرك بالضبط ما حدث، لكني حين شاهدت هذا الشخص يرمي خنجرا كان في يده فهمت على الفور ما حدث، وعرفت أن هذا الخنجر هو الذي كان في عنقي، وبدأت أشعر بالدماء تنزف من عنقي، فوضعت يدي على رقبتي لأوقف النزيف، بينما انطلق صديقي الدكتور هاشم فتحي بالسيارة إلى مستشفى الشرطة الملاصق لبيتي”.
وعندما سأله سلماوي عن مشاعره تجاه ما حدث؛ قال: “شعوري مزدوج، فمن ناحية أشعر بالأسف لتكرار جرائم الرأي، إنه لشيء مؤسف جدا ومسيء جدا لسمعة الإنسان في العالم أن يؤخذ أصحاب الرأي.. أصحاب القلم هكذا ظلما وبهتانا. ومن ناحية أخرى، فإنني أشعر بالأسف أيضا من أن شبابا من شبابنا يُكرِّس حياته للمطاردات والقتل فيطارد ويُقتل، بدلاً من أن يكون في خدمة الدين والعلم والوطن، إن الشاب الذي رأيته يجري كان شابا يافعا في ريعان العمر.. كان من الممكن أن يكون بطلا رياضيا أو عالما أو واعظا دينيا، فلماذا اختار هذا السبيل؟ لست أفهم!.. إنه ضحية، لذلك فشعوري نحوه هو شعور الأب تجاه الابن الضال الذي ضل الطريق، إنه شعور أكثر إيلاما مما يمكن أن تشعر به تجاه أي مجرم عادي، لكني سامحته عما يخصني، أمَّا ما يخص المجتمع فالعدالة يجب أن تأخذ مجراها”.
– ما رواه المجرم منفذ عملية الاغتيال لسلماوي عن خطة الاغتيال:
كان مخطط عملية الاغتيال هو توجه منفذي العملية (محمد ناجي وباسم “الذي قُتِل أثناء القبض عليه”) إلى منزل نجيب محفوظ في اليوم السابق على الاغتيال، فقد ذهبا بالفعل وكانا يحملان داخل طيات ملابسهما مسدسًا وسكينًا، وكان باسم يرتدي ملابس عربية ليبدو أنه من دول الخليج، حاملين الحلوى والورود للتمويه، ولمَّا فتحت زوجة محفوظ الباب قالت أنه غير موجود، وأنهم يمكنهم مقابلته في الغد في ندوته بكازينو قصر النيل في الخامسة بعد الظهر. فقال المجرم: أن الخطة كانت ذبح نجيب محفوظ داخل منزله بالسكين، والمسدس كان لتهديد أهله حتى لا يطلبون النجدة، فلمَّا لم يجدوه قرروا ذبحه في اليوم التالي.
تأثير جائزة نوبل عليه
عندما سُئِل نجيب محفوظ عن شعوره عندما علم بفوزه بالجائزة قال: “لقد تنازعني شعوران؛ أولهما: السعادة المفرطة، وثانيهما: الدهشة العارمة، فلم أكن أتوقع مثل هذا الفوز، كنت قد سمعت بالطبع بالجائزة وبالفائزين بها لكني لم أتخيَّل أبدا أنني سأفوز بها في يوم من الأيام، لأن من فازوا بها كانوا كتابا على أعلى مستوى، وقد كنت أسمع أنه ربما يفوز بها كاتب عربي لكني كنت أشك كثيرا في ذلك”.
وعندما سُئِل عن تأثير الجائزة عليه شخصيًا وعلى أعماله قال: “فيما يتعلَّق بأعمالي فمن الطبيعي أن تشجعني على مواصلة الكتابة، ولكن جاءتني الجائزة في مرحلة متأخرة من حياتي الأدبية، فلم أكتب بعد نوبل إلا “أصداء السيرة الذاتية” و”أحلام فترة النقاهة”، حتى رواية “قشتمر” التي صدرت في كتاب بعد الجائزة؛ كنت قد كتبتها قبل ذلك ونُشرت مسلسلة في “الأهرام”. أمَّا من الناحية الشخصية فقد فرضت نوبل عليَّ أسلوب حياة لم أعتده ولم أكن أفضّله، تمثَّل في سيل المقابلات والأحاديث الصحفية في الجرائد والتليفزيون، وأنا قبل ذلك كنت أفضِّل أن أعمل في هدوء.
وعندما سُئِل عن ماذا حدث له منذ فوزه بالجائزة عام 1988 قال: “أهم ما حدث لي هو تلك العَلْقَة التي نلتها عام 1994”. ( مشيرا إلى رقبته قاصدًا حادث الاغتيال).
الجوائز المالية التي لم يُنفقها
بعد أن تَحَدَّدَ طريقه في الفن الروائي وعرفه الناس فاز بجائزة الدولة مرتين:
المرة الأولى هي جائزة الدولة قبل الثورة وكانت تُعرف باسم “جائزة الملك فؤاد” وكانت قيمتها ألف جنيه، وكان هذا المبلغ كبيرًا في ذلك الوقت، فخشية أن يضيع اشترك في جمعية كانت تقوم بإنشاء فيلات على النيل بالمعادي، ولكن بعد أن دفع الألف جنيه حدث أن كان رئيس مجلس إدارة الجمعية والسكرتير في طريقهم إلى الإسكندرية حاملين معهم نقود كل المشتركين؛ لإتمام بعض العمليات التجارية حين انقلبت بهم السيارة ولقوا حتفهم وضاعت كل الأموال بعد أن وجدوا الحقيبة التي كانت معهم فارغة.
والمرة الثانية بعد الثورة، وكانت ألفين وخمسمائة جنيه، وكان الاعتقاد السائد وقتها أن كل الفنانين معفيون من الضرائب، ولكن بمجرد استلامه الجائزة وجد أن الأديب ليس فنانًا وفق تعريف الحكومة، لذا حاسبته الضرائب بأثر رجعي على كل السنوات الماضية التي تصور نفسه فيها فنانًا، وبهذا راحت الجائزة وفوقها ما هو أكثر.
ثم جائزة نوبل التي ظن أنها ستعوضه عن كل ما فات، ولكنها صودرت هي الأخرى ولكن المصادرة هذه المرة جاءت من أسرته، فقام بتوزيعها على زوجته وابنتيه، أما نصيبه الشخصي من الجائزة فقد تبرع به لصالح مرضى الفشل الكلوي.
اقرأ أيضا : أبرز 20 صورة في حياة نجيب محفوظ:
لم يكن نجيب محفوظ مجرد كاتبا وروائيا كبيرا يتناول الواقع المصري بشكل مختلف فحسب، بل كان مفكرا وصاحب رؤية خاصة كانت السبب الرئيسي لوصوله للعالمية، بل وتهافت كبار المسئولين للقائه والحديث معه، ما جعل حياته مليئة بالمواقف والأحداث التي شغلت الصحف والأوساط الأدبية لفترات طويلة.
في الذكرى الـ 12 لرحيله، يرصد إعلام دوت أورج، أبرز اللقطات في حياة أديب نوبل، التي وثق جزءا منها الكاتب الكبير محمد سلماوي في كتاب “في حضرة نجيب محفوظ”، وذلك من خلال السطور التالية في اللينك التالي: