الخميس، 22 سبتمبر 2016

هل تناولت شَرْبة الحاج داوود؟

http://www.e3lam.org/2016/09/20/147271
https://www.facebook.com/notes/hala-moneer-bedair/%D9%87%D9%84-%D8%AA%D9%86%D8%A7%D9%88%D9%84%D8%AA-%D8%B4%D9%8E%D8%B1%D9%92%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A7%D8%AC-%D8%AF%D8%A7%D9%88%D9%88%D8%AF/10153974609881696

https://www.facebook.com/Dr.AhmedKhaledTawfik/posts/10154057873193722?notif_t=notify_me_page&notif_id=1474504196386177


استعد .. فأنت الآن على موعد مع “شَرْبَة”، ليست من النوع كريه الطعم أو الرائحة والتي تسبب مزيداً من “مَوَعَان النفس” للمريض، وإنما “شربة” أعدَّها لنا د/ أحمد خالد توفيق من خلاصة كتابات ومقالات في عدد من الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية، لعلها تهدي القاريء للتقرقة ما بين هو علمي، أو نصف علمي، أو شبيه بالعلم، أو لاعلمي ..

كتاب “شَرْبَة الحاج داوود”، عرض فيه لنا الكاتب الطبيب تاريخ الطب في اكتشاف عدد من الأمراض، والتدرج في اكتشاف الفيروسات أو البكتريا المسببة لها، شرح لنا عن معنى الفرع المسمَّى”طب المناطق الحارة- وهو تخصص الدكتور أحمد خالد توفيق” التخصص الذي يكتب أصحابه على لافتات عياداتهم في مصر “مختص أمراض الكبد والحُميَّات” ، وكيف كان للاستعمار البريطاني الفضل في اكتشاف تلك الأمراض المتوطنة على يد علمائه وأطبائه، بالرغم أن نيته في البداية كانت الحفاظ على جنوده من الأوبئة، واستعباد شعوب قوية منتجة خالية من الأمراض، إلَّا أن العالم كله اليوم يعيش في مأمن من تلك الأمراض الفتَّاكة ..
وصف لنا عقيدة بعض الأطباء (اخلق مرضاً لا وجود له ثم عالج المريض منه)، إذ يوهم الطبيبُ المريضَ بأنه “صاحب عَيَا” ويرهقهه في دوامة من التحاليل والفحوصات، ثم يعطيه الدواء وفي النهاية يقنعه بأنه تماثل للشفاء، وشرح لنا عن عشاق الأدوية وصاحب “متلازمة منخاوزن” وهو المتمارض مدمن المستشفيات، كما حدَّثنا عن “نظرية الميازما” إذ كان الاعتقاد السائد في القِدَم أن المرض ناجم عن العفن والنباتات المتحللة التي تنتقل عندما تهب الرياح على الماء، بل والاعتقاد الذي سيطر على البعض بأن الطاعون كان ينتقل عبر عيون المرضى مما جعل المحيطين بهم يعصبون أعينهم !
شرح لنا كيف أن الإنسان كائن وهن، ينتصر عليه كائن لا يُرى بأقوى المجاهر، ويستطيع أن يتركه جثة هامدة، حدَّثنا عن شراسة الفيروسات وكيفية تطويرها لنفسها دون توقف، فاللقاحات التي تصدت لها بالأمس عجزت عن مكافحتها اليوم وستعجز في ذلك غداً، وعدَّد لنا مجموعة من الفيروسات النزفية وعن فترات الحضانة وطرق الإصابة وكيفية العدوى وشكل الأعراض، وعدم وجود لقاح فعَّأل لأغلب أنواع الحمى في مراحلها المتأخرة، تحدَّث في خمسة فصول متتالية عن النصب في الطب والعلاج الزائف بالأعشاب والأوزون والأنزيمات والحمام وتحت الهرم حتى وصل إلى النصب بـ”جهاز الكفتة” المزعوم في فصل عنونه بـ “شربة الحاج داود” نفس اسم الكتاب، وكيف أنه منذ قرون طويلة استخدمت الجيوش جثث قتلى الطاعون كسلاح بيولوجي في حرب بدائية بيولوجية أودت بحياة الملايين !
بالرغم أن أغلب الكِتَاب شمل مقالات علمية عن تاريخ الطب، إلا أنه في فصله الأول عن ما ذكره من موقف من سيرته الذاتية كان بِلَغة سلسة استطاع من خلالها تجسيد صورة للمكان دون تعقيد أو إطالة، واهتم بسرد مشاكل المجتمع المصري في قالب كوميدي تخيلي عن وفاة “فيروس كورونا” الذي قدم إلى مصر غازياً ظانَّاً أن تكدس البشر فيها سيكون خير معين له في إقامة مستوطنة وبائية، إلا أن أزمة المرور وعوادم السيارات ودخان السجائر أودى بـ “الفيروس” للخضوع إلى جلسات استنشاق، وعندما حاول الهروب اعترض طريقه “فيروس C” البلطجي وأخذه مقص حرامية وطالبه بإتاوة، وعندما حاول الاحتماء في أعلى الجهاز الهضمي للمصريين فوجيء باللبن المخلوط بالسيراميك، واللحم منتهي الصلاحية، والزيتون المطلي ورنيش، والجبن المحفوظ بالفورمالين ..
شمل الكتاب باباً بعنوان “بعيداً عن الطب” ، وبالرغم أني لم أستسغه شخصياً وأحسسته دخيلاً على الأجواء الطبية التي غمرني بها في الأجزاء الأولى من الكتاب، إلَّا أن الطابع العلمي لم يُفارق تلك المقالات أيضاً في حديثه عن برامج التجسس واختراق الشبكات وسرقة المعلومات على الإنترنت، وما أن فرحت بِوَصْلة “نوستالجيا” في حديثه عن جهاز الفيديو وأيام تأجير شرائط الفيديو إلا أنه سرعان ما أدخلني في دوامة من أنواع عدسات السينما وكاميرات التصوير وتقنيات العرض والنظارات ثلاثية الأبعاد، إلَّا أن الفصل الأول من ذلك الباب والذي حمل عنوان “أنت وقطة شرودنجر” أكثر ما لمس قلبي في حديثه عن نقاط التفرع الجوهرية التي تقود كل إنسان إلى منعطفات جديدة في حياته، ولكنه سرعان ما أدخلنا من جديد في الأجواء الطبية عبر باب “فتنة انفلونزا الخنازير” بمجموعة من مقالات ترسم كم الرعب إبَّان انتشار أخبار ذلك المرض ..
لاحظت أن بعض العبارات أو الفقرات تكررت في أكثر من مقال، ولكن لا ضير من هذا فنحن لسنا بصدد رواية متواترة الأحداث، وإنما عدد من مقالات تتكلم في مجالٍ واحد وترصد مشاكل في دائرة مفرغة تتكرر بعينها كل حين، الدكتور أحمد خالد توفيق ذو الكلام الطبي العلمي صاحب الخيال القصصي استطاع أن يسلط الضوء على أن العلم والتعليم الجيد هو الحل السحري لكسر تلك الدائرة المفرغة التي تحوم فيها المشاكل في مصر وتتفاقم حد الكوارث، وكيف أن مهنة التدريس في منزلة مقدَّمة على كافة المِهن الأخرى، مؤكداً على وجوب تنمية العقلية النقدية للبحث عن الدليل والإثبات لكل ما يُعرض علينا، وأن الإعلام المضلل بكافة وسائله هو المسؤول عن انتشار وباء من التخلف العقلي.

الاثنين، 19 سبتمبر 2016

الهروب من وإلى تيران

http://www.e3lam.org/2016/09/17/146469
https://www.facebook.com/notes/hala-moneer-bedair/%D8%A7%D9%84%D9%87%D8%B1%D9%88%D8%A8-%D9%85%D9%86-%D9%88%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%AA%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86/10153967122946696

هو ليس ضمن مجموعة من الأصدقاء قرروا تسلق جبل في أحد الشهور الشتوية ثم مات تجمداً مثل ضحايا سانت كاترين منذ ما يقرب من الثلاثة أعوام كي يبادر كثيرون بقول "إيه اللي ودَّاه هناك ؟!" ، وهو أيضاً ليس أحد المصريين الذين يهاجرون بطرق غير شرعية ويموتون غرقاً في البحر ليقول كثيرون: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، فهو مغترب مصري كملايين غيره في بلاد الله التي استقبلته بعد أن ضاق به وطنه ولم يجد فيه من سبل الحياة الكريمة ما يسد رمق العيش ..



المصري "محمد سعد محمود" سافر من مصر إلى السعودية هرباً من البطالة، لِيَفِرَّ من السعودية إلى مصر هرباً من نظام الكفالة، وبعدها تقدَّم أخوه ببلاغ للأمن حال وصوله للجزيرة ليتم البحث عنه دون أي أمل بالعثور عليه حياً أو ميتاً، وبعد شهور وجدوه جثةً متحللة حتى الهيكل العظمي على جزيرة تيران المصرية، لقد مات المسكين جراء الإرهاق من السباحة والجوع والعطش، ولم تنفعه بضع مئات من الريالات سواء كانت راتبه المُدَّخر أو كما يدَّعي البعض أنها نقود سرقها من كفيله، فالمهم أن المحصلة النهائية هو ميتة شنيعة على تراب مصري يستميت النظام وأنصاره بإثبات سعوديته، وعقول وألسنة لا تملك أقل قدر من إنسانية للخوض في عرض إنسان هو في كل الأحوال ضحية إهمال واضطهاد ..

تلقيت نبأ العثور على جثة الشاب على جزيرة تيران وأنا على أحد شواطيء شرم الشيخ في نقطة هي الأقرب إلى جزيرة تيران، تبزغ أمامي الجزيرة الذي قضى القضاء المصري باستمراريتها ضمن الإقليم المصري، ولازالت بعض الفنادق والمنتجعات تحمل في أسمائها كلمة "تيران"، وتنطلق إليها الرحلات البحرية كل يوم للغوص واستكشاف الطبيعة الخلابة في قاع البحر، وكان يسبح أمامي في نفس لحظة قراءة الخبر أسرة سورية كبيرة العدد من كافة الأعمار، عندها تبادر إلى ذهني أن هؤلاء السوريين الذين طالما صدَّع مطبلون السيسي أدمغتنا بمأساتهم هم الآن في حال أفضل من ذلك المصري، هم الآن ينعمون بماء البحر وأشعة الشمس ودفء الشاطيء ورغد العيش في بلد هو بالنسبة لهم بلد مهجر، في الوقت الذي تُنقل فيه جثة المصري إلى شرم الشيخ، والذي هُدِرت كرامته مرتين، مرة بنظام الكفيل السعودي، والمرة الأخرى حين هُدِرت حياته حين فكر الرجوع إلى وطنه، "رميت نفسك في حضن .. سقاك الحضن حزن" أغنية شهيرة لعبد الحليم حافظ قد تكون خلفية غنائية باهرة لذلك المشهد البائس ..

"مش أحسن ما نبقى زي سوريا والعراق"، الفزَّاعة التي طالما استخدمها المضللون لتخويف المصريين، وكأن كل السوريين أصبحوا متسولين باعة مناديل في إشارات المرور، لا يذكرون أن آلاف منهم يعيش في مصر حياةً أفضل من المصريين أنفسهم، صحيح أن ملايين تم تهجيرهم من سوريا العزيزة هرباً من الحرب، ولكن في مقابلهم كان ملايين المصريين قد تم تغريبهم عن وطنهم طوعاً بحثاً عن لقمة العيش، وصحيح أن آلاف السوريين قد ماتوا غرقاً في البحر وآلاف ماتوا تحت الأنقاض في سوريا، ولكن سبقهم إلى الغرق أيضاً مصريون هربوا بطرق غير شرعية، وآخرون ينتظرون الموت كل يوم من فساد مستشرٍ في بلد نظامه الفاسد لم يسقط بعد، إذاً فالنتيجة النهائية التي هي حال ملايين من المصريين لعقود متتالية هي شبيهة إلى حد كبير بحال جديد لكثير من السوريين في الخمس سنوات الأخيرة، دون صواريخ روسية أو براميل متفجرة، هي الموت جوعاً ومرضاً وفقراً ..

ربما تحرك حادثة المصري على جزيرة تيران المياه الراكدة في قضية العمالة المصرية ونظام الكفيل السعودي، فكم تعددت حالات الانتهاك والاضطهاد والإجبار على تقديم التنازلات ليتم نقل الكفالة أو الرجوع إلى مصر، أو العيش لشهور دون تلقي المستحقات المالية واحتجاز جوازات السفر، وربما تعرضوا في نهاية الأمر لمحاكمات غير عادلة في وقائع ملفقّة انتقاماً منهم، وفي المقابل لابد من تقوية دور السفارة والتأكيد على ضرورة أن تكون هي الملجأ والملاذ لكل مصري لا يستطيع انتزاع حقه ومنعه من أن يُعرِّض نفسه لتلك النهاية المأساوية، وربما كانت تلك الحادثة أيضاً خير شاهد على قضية حُبِسَ فيها عشرات ممن قالوا وكتبوا بمصرية جزيرتي تيران وصنافير ..

من المآسي اليومية يتضح جليَّاً أن النهايات السعيدة لا توجد إلا في خيال السينما، فالممثل توم هانكس الذي عاش على جزيرة وحيداً لشهور في فيلم "كاست أواي"، واستطاع أن ينجو بنفسه في النهاية، لم تتحقق تلك النهاية مع بطلنا في العالم الواقعي الظالم، ذلك الواقع الذي يقوم فيه طفل ذو ثلاثة عشر عاماً بعبور البحر الأبيض المتوسط في إحدى مراكب الهجرة غير الشرعية بحثاً عن علاج لأخيه المصاب بالسرطان، لم يجده في وطن يتغنى له المطربون بكلمات مثل "ماتقولش إيه اديتنا مصر قول هندِّي إيه لمصر!" ، "مصر اللي عايشين من خيرها!"، وطنٌ يلفظ أبناءه حتى في اللحظات التي يهرعون فيها إليه !! ..
فأعوذ بالله من غلبة الدين وقهر الرجال ..

السبت، 10 سبتمبر 2016

أزْهَرِيٌّ بَوَّابًا لِلْحَانَة

http://www.e3lam.org/2016/09/10/145230

https://www.facebook.com/notes/hala-moneer-bedair/%D8%A3%D8%B2%D9%92%D9%87%D9%8E%D8%B1%D9%90%D9%8A%D9%91%D9%8C-%D8%A8%D9%8E%D9%88%D9%91%D9%8E%D8%A7%D8%A8%D9%8B%D8%A7-%D9%84%D9%90%D9%84%D9%92%D8%AD%D9%8E%D8%A7%D9%86%D9%8E%D8%A9/10153946723711696

https://www.facebook.com/abdelrahim.kamal/posts/10154105369113547

قال حسان الشيخ الأزهري و"بوَّاب الحانة" :عامٌ كاملٌ يا مولاي حتى رأيتك في حلمِ الأمسِ تنادي عليَّ وأنا أهربُ منك من أجلِ أن أمضمضَ فمِيَ من طعمِ الخمرِ ورائحتِهِ فهل فسدَ القلبُ ؟!
ردَّ الشيخ : كُن حيث وَجدْتَ قلبَك !
ولكنَّ جواب الشيخ ألهب حيرته وشكِّه ..

تتناول رواية "بواب الحانة" حالة حسان الأزهري، الشيخ الذي ضل طريقه لعام كامل، ليكن نبراس أمل وباب توبة لمخضرمين في شرب الخمر، في البدء قام بضرب مخمور ضرباً مبرحاً توبيخاً له على حالة سُكْرِه،  ثم انتهى به الحال سكيراً وبوَّابا لخَمَّارة، بعد ذهابه إلى تلك الحانة ليتلمس اعتذار السَّكير ..
من داخل حانة بمصر القديمة بمنطقة الجيَّارة، ومن خلال جنبات الكتاب سافر بك عبد الرحيم كمال في أساطير أشبه بألف ليلة وليلة، في حكاية "جَرَّة الصبر" من التراث الصعيدي، وعندما يضعك تحت القصف الأمريكي في العراق، ومن ثم حكاية عبد الله العراقي الذي وصل لنيل مصر سباحةً من خلال نهر الفرات ..
هناك شخصيات أساسية تَسَلْسَل سرد حكايتها من أول الرواية حتى نهايتها، وأخرى ثانوية بدأت وانتهت في فصل واحد، كالروائي الفاشل ومُعجَبَتِه، والدرويش والخواجاية المُلْحِدَيْن، في إشارة أن رواد الحانة في تنوع، ووفودهم لا نهائي، فمنهم من يدمن الخمر طيلة سنين ثم يتوب ويهجرها، والبعض الآخر يأتيها من حينٍ إلى حين، ولكن تبقى الحانة على حالها في انتظار مزيد من التائهين، في رمز إلى الدنيا ..
كانت هناك مشاهد شيمتها الإطالة، ومشاهد أخرى الاختصارُ كان سمتها، ولكن ما أن دخلت الممرضة "حياة" إلى الحانة كان الحكي عنها متصلاً في فصولٍ خمسة متتالية، لم يقطع التسلسل سوى فصلين قصيرين جداً، كان من الأوْلى أن يتخلل قصة حياة استمرار الحكي عن الشخصيات الأخرى، كنمط الكتاب منذ البداية، ولكن قد يكون تم تكثيف السرد فيها بالقرب من نهاية الكتاب، كونها ستغدو اليد التي ستنقذه من حالة الغرق ..
أرى أنه بالغ في سرد أسماء المشايخ وأصحاب الطرق والمقامات، إذ ذكر ما يقرب من ستة عشر اسم، إلا أن ذلك قد يكون دليلاً للمهتمين بالبحث في أسماء أخذت الدِّين في تسامحه ويسره، بعيداً عن التطرف والتشدد والغلظة والتضييق ..
بالرغم أن عبد الرحيم كمال لم يسترسل في وصف عناصر المكان، فقد ذكر فقط الإضاءة الخافتة وصوت أم كلثوم وأطباق الترمس والجرجير والأكواب الزرقاء وزجاجات الخمر، إلا أنه برع في وصف المنامات، فأثناء القراءة تحس أنك في قلب المنام، لا ينقص إلا أن تستيقظ وتجد نفسك جالساً في الحانة بطلاً من أبطال الرواية ..
بالنسبة للغلاف كنت أودّ أن يكون بألوانٍ أكثر بهجة، ولكنه ربما أخذ نفحةً من روح الغموض الذي ألَمَّ ببعض الأحداث، ولكن على كل حال أنصح بغلاف أكثر وضوحاً في الطبعة الجديدة ..

أثناء القراءة قد يهفو على بالك فيلم "ثرثرة فوق النيل" عن رواية الأديب الكبير نجيب محفوظ التي تحمل نفس الاسم، والتي هام أبطالها في عوامة جعلوها "غرزة" لشرب الحشيش، كلٌ يهذي بشكواه، والتي انتهت بانتفاضة على هزيمة وانكسار النفس بعد نكسة 67، ولكن الانتفاضة هنا كانت على لهو النفس ومتاع الحياة الدنيا الذي رُمز له بالخمر..
اهتم عبد الرحيم كمال بجعل الحكمة تتجلى على ألسنة هؤلاء السكارى، فالمآسي التي واجهوها كفيلة أن تفجرها منهم، كما عرض لمسة سياسية للأوضاع الراهنة، ذكر ثورة يناير وجاء بالفرق بين النفاق والقوادة على لسان شخصية "فريد" الإعلامي، كما لَمَسْت صدقه في وصف العاصمة بالغولة التي تأكل الغرباء وإن تركتهم يكملوا حياتهم طالبتهم بباروكة شعر وطاقم أسنان ..
لم يتح لي أن أتابع المسلسل الرمضاني "يونس ولد فضة" ولكن رائعة "الخواجة عبد القادر" تشبه إلى حدٍ ما "بواب الحانة" ، فالخواجة المسيحي عاقر الخمر قد هتف في نفسه هاتف إلى أن اهتدى للدين، وأصبح خواجة شيخا ذو كرامات، وأيضا فالشيخ الأزهري الذي هام على وجهه فترة في الحانة؛ رجع إلى صوابه في نهاية الأمر بعد أن كانت كراماته شعاع نورٍ للمهتدين، حتى "ونوس" الشيطان جعله عبد الرحيم كمال ينطق بالعظة أحيانا ..
الرواية تخبرك أن السُكر ليس فقط من الخمور، وإنما قد يُذهب العقل أيضاً نظرة حبيب أو بيت شعر أو صوت مغنية، والحانة التي لا تقدم الخمر في رمضان، قدمها عبد الرحيم كمال مباركة، وكأنها ملاذ للَّوّامة أنفسهم، يشكون همومهم فيجدون من ينصت وينصح، ولكن بوابها؛ شيخها الأزهري هو من جعل منها ذلك الملاذ، خلوة للاعتراف اللاإرادي، ومن ثم التوبة النصوح بالإقلاع عن شرب الخمر، وكأن إعراض شيخه عنه في البداية كان درساً له أن يبحث عن كيفية تكفير الذنوب التي نظلم بها أنفسنا ..
قد يبدو أن بُعد حسان عن الطريق القويم لمدة عام عقاباً له، فذاق حال السكارى لفترة، ليعلم ما الذي يدفع هؤلاء لإيذاء أنفسهم بهذه الصورة، فلا يسرع بالحكم عليهم من مظهرهم المخمور، ووجوب دعوتهم بالحسنى والأخذ بأيديهم باللين والنصح، إلا أنني أرى أن تيهه وتخبطه كي يتلقى الكرامة والإلهام والدرس من فترة التيه تلك، وأن الله يخلق الفرج من قلب الضيق، وليس للإنسان أن ييأس من رحمة الله، وألا يتوقف عن توسل المغفرة حتى لو كان مثقلاً بالذنوب ..

نهايةً؛ أتمنى أكون قد وُفِّقت في طرح رؤيتي وأن تكون قريبة من مراد الكاتب، كما أشكره أن وضع القاريء في حالة تميزت بالنورانية والصفاء والسعي للوصول للكمال ..

الجمعة، 9 سبتمبر 2016

عمر طاهر .. أكان لابد أن تكتب إذاعة الأغاني؟

http://www.e3lam.org/2016/09/09/144875
https://www.facebook.com/notes/hala-moneer-bedair/%D8%B9%D9%85%D8%B1-%D8%B7%D8%A7%D9%87%D8%B1-%D8%A3%D9%83%D8%A7%D9%86-%D9%84%D8%A7%D8%A8%D8%AF-%D8%A3%D9%86-%D8%AA%D9%83%D8%AA%D8%A8-%D8%A5%D8%B0%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%BA%D8%A7%D9%86%D9%8A/10153942773461696
https://www.facebook.com/omer.taher.39/posts/10153678929771891?ref=notif&notif_t=notify_me&notif_id=1473415041621229
https://www.facebook.com/hala.moneerbedeer.1/posts/10153941723421696?ref=notif&notif_t=like&notif_id=1473419502916212


دائما يفوتني الجميل من أوله، لحظي العاثر لم أقرأ كتاب “إذاعة الأغاني” حال صدوره، ولكني لابد وأن أسجل رؤيتي المتواضعة لعمل بديع هكذا..

سأكون مجحفة لو قارنت كتاب “إذاعة الأغاني” بأي كتاب آخر، بل لا تجوز مقارنته بأي عمل سابق للساحر عمر طاهر، الكتاب لا تستطيع تصنيفه، ليس رواية بالرغم أنه يضم مراحل مختلفة من حياة الكاتب الذي ينعم بذخيرة ضخمة من الأحداث والمواقف؛ تجعلها مادة خام ليشكل منها كل جديد دون أن تنضب، ولا يجوز وصفه بالقصص القصيرة بالرغم أن الواحدة منها تملك قدرا معقولا من التركيز والتكثيف والمباشرة، ولا يجوز وصفها بالشعر في أي أنواعه بالرغم من تعدد العبارات الموزونة والمقفاة في معناها قد تصل حد حكم الفلاسفة، هي تلك الحالة “سيرة شخصية للغناء” .. نعم فسيرة عمر طاهر الذاتية لا تفنى ولا تستحدث من العدم ..

لمس عمر طاهر صميم القلب، ليس فقط قلوب جيل الثمانينات، وإنما أسر قلوب أشخاص أكبر وأصغر؛ وربما يصيب هؤلاء الندم أن فاتهم هذا الجيل، أو لأن لا ماهر في جيلهم يستطيع أن يجسد ذكرياتهم بمهارة جبارة كما يفعلها عمر طاهر، عمر طاهر سيعلمك كيف تبحث عن أغنية هندية، سيجعلك تستمع لأغنية “آل جالي بعد يومين” بأسى من نوع مختلف، سيعرفك على المغني الليبي أحمد فكرون كما عرفني عليه وأنا الثمانينية التي لا أعرف كيف سقطت مني علامة مميزة لجيل الثمانينات مثله ..
الكتاب أشبه بآلة الزمن التي لا تعرف بالتمام أي زر يمدها بالطاقة وأيها يوقفها، أنت الآن بين دفتي الكتاب؛ بين جنبي آلة الزمن، لا تعلم إلى أي عصر ستذهب، ولكن ما أن تستقر بك الآلة فإنك ستعيش ذلك العصر بكل صفائه وأخطاره، هكذا يفعل بك عمر طاهر يفجرك ضحكا عندما يسمعك “شتمة قبيحة” على لسان عمة صديقه اللبناني، يعلمك كيف هو اللوع؛ من خلال مشاعر الحبيبة المخلصة التي تتألم في صمت جراء غياب حبيبها في حوار عاطفي بينه وبين “سيارته”، يجعلك تختبر كيف هو التدخين وإحساس الحشيش دون أن تأخذ نفسا واحدا من سيجارة، يذكرك بأغنية مهجورة في ركن ما من الذاكرة لتعدو سريعا على يوتيوب لتجد رواد آخرين سبقوك في الوصول بحثا،تاركين تعليقا لطيفا على الأغنية النادرة مثل : “عمر طاهر اللي جابني هنا”، وهكذا حتى ترجع بك آلة الزمن من جديد عندما تفاجأ بأنك عدت حيث أنت مع انتهاء آخر صفحة في الكتاب ..
العنوان كان مخادعا بعض الشيء، ولكن من يتأمل في العنوان قبل أن يقبل أو يدبر عن شراء كتاب؛ أنه ليس كتابا للأغاني؛ وإنما سيرة ذاتية للكاتب، والغناء خلفية المواقف المختلفة التي قد تمر مرور الكرام على كثيرين، ولكن ما أن يوجد عمر طاهر في ذلك الزمان والمكان فإنه سيصنع نوستالجيا فريدة في زمن لاحق، نوستالجيا مجسمة ثلاثية الأبعاد، ذات رائحة ولون ومذاق، شفافة لكنها سميكة بالقيم والأصالة، عذبة وحلاوتها بمرارة استحالة الرجوع بالزمن إلا من خلال آلة عمر طاهر..
هذه التوصية أو الرؤية أو الرأي جاءت متأخرة شهورا ولكنها الآن لسببين، أولهما بمناسبة منشور عمر طاهر الذي يضع فيه دليلا للسائلين عن المكتبات التي يتوفر فيها الكتاب، والثاني هو أن التأخير هذه المرة علمني أن أي جديد لعمر طاهر سيكون في أول قائمة مشترياتي، أراهن على أن القراء يطالبونه بأجزاء أخرى من الكتاب ..

الثلاثاء، 6 سبتمبر 2016

أول تجربة تصوير جماعي لفريق صحفي في مصر


http://www.e3lam.org/2016/09/05/143563

كيف يمكن أن يجتمع فريق عمل إعلام دوت أورج بالكامل، المحررون القدامي والجدد والمتدربون في عمل جماعي رغم أن جميعهم يعملون من المنزل وهناك من يقيم خارج القاهرة ونادرا ما يجتمعون في مكان وزمان واحد.  
العمل الجماعي أحد المهارات التي نفتقدها في مصر، وتعرفها الصحف المصرية حاليا عبر فرق تنفيذ التحقيقات الاستقصائية أو من خلال فرق تصوير ومونتاج الفيديوهات الإخبارية، لكن لم يحدث أن اجتمع فريق عمل موقع أو جريدة بالكامل لتنفيذ موضوع واحد.
من هنا جاءت فكرة استخدام الموبايل أو الكاميرات الصغيرة لكي يلتقط كل زميل بالموقع صورة أو أكثر تستحق نشرها، على أن يتم تجميع الصور والتعليق عليها في رابط واحد، هو ما تقرأه الآن.
طرحنا الفكرة ونحن لا نعلم كيف ستكون النتيجة النهائية، تناقشنا هل نختار موضوع واحد ونطلب من الزملاء أن تكون كل الصور مرتبطة به، كارتفاع الأسعار مثلا، أم نبدأ بتجربة حرة في كل شيء؟، التصوير في البيت أو خارجه؟، في القاهرة أو في المحافظات؟، المهم أن تكون الصورة تصلح فنيا ويرتبط بها تعليق يضيف للقارئ شيئا.

للمزيد اضغط هنا 
http://www.e3lam.org/2016/09/05/143563

وهل يأكل المواطنون حقاً من القمامة ؟!

http://www.e3lam.org/2016/09/04/143355
https://www.facebook.com/notes/hala-moneer-bedair/%D9%88%D9%87%D9%84-%D9%8A%D8%A3%D9%83%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%B7%D9%86%D9%88%D9%86-%D8%AD%D9%82%D9%8B%D8%A7-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%85%D8%A7%D9%85%D8%A9/10153934167351696


انتصارٌ ساحقٌ آخر لمديرية من مديريات أمن الوطن، من المؤكد أن تم القبض على عصابة من عصابات خطف الأطفال أو تجارة الأعضاء، أو قد تم مداهمة خلية من خلايا الاتجار بالمخدرات أو بالسلاح، ولكن الحقيقة أنها كانت خلية ولكن خلية من نوع آخر !! الخلية هذه المرة تتكون من ثلاثة أفراد ( أو أربعة في رواية أخرى بحسب موقع البوابة نيوز ) أحدهم ممثل مسرحي، وقد تم القبض عليهم بتهمة تمثيل مشاهد توحي بأن "المواطنين يأكلون من القمامة" !! ..


فلقد شُكِّلت فِرق البحث وكُثِّفَت التحريات وهَبَّت الحملات الأمنية بالتنسيق مع رؤوساء المباحث للقبض على المجرمين المُعترفين بإثارة الرأي العام ضد مؤسسات الدولة، فالمتهمون مُتهمون باختلاق مشاهد الفقر لتوصيل انطباع خاطيء بعدم مقدرة النظام الحاكم على حل مشاكل المواطنين، وافتعال أزمات اقتصادية غير موجودة بالفعل !! وكأَنَّ مشهد المصري الذي يأكل من صندوق الفضلات جديد على نظر المصريين، فالواقعة مألوفة منذ عهد مبارك ولكن لم تجرؤ الداخلية حينها على فبركة تهمة لفريق تمثيلي بأنه يريد تقليب الرأي العام ! ومشاهد الاقتتال والتناحر في طوابير العيش التي خفَّت حدة وطأتها الآن يُقابلها مشاهد الاحتجاجات على ارتفاع الأسعار وتضخم فواتير الكهرباء وانعدام لبن الأطفال واختفاء الأدوية الحيوية من الصيدليات، كلها مرئية رأي العين، ولا تحتاج إلى خلية للتخطيط لفبركتها، ولا تحتاج لمجانين ليصدقوا تلك المزاعم !!

فالبرد يأكل في عظام الفقراء في فصل الشتاء وما أن يبدأ ذلك الفصل القاسي بصقيعه القارس إلا وتبدأ حملات التبرع بالبطاطبن والأغذية وتسقيف بيوت الريف والعشوائيات، ولا أحد يتهم بنك الكساء أو الطعام المصري بفبركة أخبار كاذبة عن الفقر وتسول البطاطين والملابس !!

والجوع والمرض أيضاً يلتهم البطون الخاوية والأجسام الهزيلة طول العام ولكن في شهر البر والإحسان يتسابق المتسابقون من أصحاب الجمعيات الخيرية ومستشفيات القلب والسرطان في تسول الزكاة والصدقات، ولا أحد يتهم هؤلاء أيضاً بمحاولة تشويه النظام وإبراز عدم قدرته على تقديم أبسط وأولى حقوق الواطنين من غذاء ودواء !!

لم يجرؤ أي نظام سابق على توجيه مثل تلك التهمة لصناع أفلام السينما الذين وصلوا لأبعد مدى في تجسيد الفقر والجوع والمرض في مصر، لم يجرؤ أي نظام سابق أو حالي على محاسبة المسؤول عن التقارير الإعلامية المُفبركة في البرامج التليفزيونية والإذاعية ومداخلات "المواطنين الشرفاء" التليفونية عن مدى سعادتهم بالإنجازات والتطورات والرخاء المكذوب، لم يجرؤ النظام الحالي على الاعتراف بمشاهد التعذيب الحقيقية للمواطنين المعتقلين والخالية من أي فبركة في التنفيذ، والمليئة بمنتهى الفبركة في تلفيق التهم للضحايا والتنصل من مسؤولية الدم المستباح !!

نعم المصريون يتسولون الطعام، فعندما لا يُوفر النظام الثلاث وجبات الآدمية لملايين من المواطنين فإن هذا ليس فبركة ولا اختلاق، وعندما يُجسده أحدهم كمشهد تمثيلي فليس هاهنا تهمة مسماة التقليب ضد مؤسسات الدولة، وإنما التهمة تُوَجَّه لمن دفع المصري للانتحار أو لقتل أسرته مخافة إملاق، التهمة توجه لمن خلق من موظف شريف موظف مرتشي ومختلس لأن ما يتقاضاه لا يكفي غلاء المعيشة، والتهمة الحقيقية توجَّه لكل من يحاول مسخ عقول الناس وإقناعهم بالرضا بالفتات في وقت هؤلاء لا يرضون بذلك الفتات لحيواناتهم الأليفة وكلاب حراستهم !
الفقر المُدقِع حقيقة ملايين المصريين، وخطه الأحمر يشنقهم تضوراً وجوعاً بلا أدنى رحمة، وبعد أن انصهرت شريحة كبيرة من الطبقة الوسطى لتزيد من مساحة طبقة المُعدمين عدداً وحالاً، فإن المصريين لا ينتظرون مشاهد تمثيلية لإقناعهم بتلك الحقيقة المفجعة، فمهما بلغ من إتقان المشهد التمثيلي فلن يضاهي حقيقة التسول فقراً ومرضاً !!