الاثنين، 13 مارس 2017

انتشلوه كما لوكان مصرياً تحت الأنقاض

http://www.e3lam.org/2017/03/10/198208

https://www.facebook.com/notes/hala-moneer-bedair/%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%B4%D9%84%D9%88%D9%87-%D9%83%D9%85%D8%A7-%D9%84%D9%88-%D9%83%D8%A7%D9%86-%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D9%8B-%D8%AA%D8%AD%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%86%D9%82%D8%A7%D8%B6/10154430849671696


كعادة رواد مواقع التواصل الاجتماعي حين يُذاع أمر ما فإنهم ينشقون لأكثر من حزب، وأولى الثلاثة أحزاب الرئيسية هو الحزب المُشكِّك في تصريحات الجهات الرسمية بمزيج من السخرية وتضخيم الأمور، وثانيها هو حزب مؤيد للتصريحات الرسمية دون إبداء أو تأييد لأي ملاحظات قد تبدو في محلها، وذلك بمزيج من اتهام المشككين بــ"الزياط" أي ببث الأخبار الكاذبة في ثوب من البلبلة، وحزب ثالث وهم النسبة الأقل مقارنةً بالحزبين السابقين وهو الذي يحاول الوصول إلى حقيقة الأمر وتوضيح مواطن اللبس برأي معتبر من خبراء مختصين ..


أُذِيع بالأمس خبر اكتشاف تمثالين أثريين في المطرية بالقاهرة، يُرجَّح أن يكون أحدهما للملك رمسيس الثاني، وقد عُثِرَ عليه وهو مكسور إلى أجزاء كبيرة، وقد تم انتشاله باستخدام جرَّافات ضخمة ممزوجاً بالطين في موقع عشوائي تميَّز بالهرج والمرج، مع عدم وجود أي دلائل توحي لمتابع الحدث أن الطريقة المثلى للتعامل مع الآثار كانت هي المتَّبعة، ومن هنا جاء اللغط وثورة رواد السوشيال ميديا أن تحطيم الآثار يأتي تحت رعاية وزارة الآثار المصرية، فقد شكَّلت صور عملية انتشال أجزاء التمثال للمشاهد فكرة سيئة عن عملية الحفر والرفع، خصوصاً أن هناك سوابق عديدة لسوء طريقة ترميم الآثار، وفيما يلي بعض الملاحظات:


- صور عملية الانتشال كانت الأبشع إذ خلت من أدنى اعتبارات وإجراءات تُتَّبع حتى في مسرح جريمة، فلا يوجد كوردون لإحاطة المكان وإبعاد غير الخبراء أو الفنيين، ولكن في مصر قد يبدو هذا غير ضروري إذ يجتمع كل من هب ودب في موقع تفكيك عبوة ناسفة، أو في محيط إطفاء حريق، أو حتى أثناء العبور بجانب حادث  مروري، فالكل يقف ليلقي نظرة، ولكن الأمر لابد أن يختلف في موقع أثري، فالخطوة فيه محسوبة وقد تُدمِّر أثراً عاش آلاف السنين ينتظر اليوم الذي يخرج فيه للحياة..


- قيل بأن الانتشال تم بأدوات من عروق الخشب والفلين، ولكن على ما يبدو أيضاً أنها لم تُسعف العاملين في الموقع فقرروا استخدام جرافات لرفع رأس التمثال بكميات كبيرة من الطين، وبمتابعة بعض آراء خبراء الآثار أفادوا بأنه كان من البديهي في أول تعامل هو القيام بعملية "نضح" أو "شفط" المياه من حول التمثال باستخدامات طلمبات خاصة، ولكن هذا لم يتم فقد ظلت الأجزاء غارقة في حمام سباحة من المياه الجوفية، والجرافات تفرغ التربة من حولها، ثم نعمت أجزاء التمثال بدوش دافيء تحت أشعة الشمس بـاستخدام "الجرادل" ..

- وجود الجرَّافة في المكان وصور رأس التمثال المهشمة في كثير من أجزاءها تُرْجِمت لدى المتابعين أن عملية الانتشال أدت إلى تكسير التمثال، خصوصاً أن الدولة ليس لديها أي خطط في التعامل مع أزمات انهيار المباني وإنقاذ السكان المحبوسين تحت الأنقاض، وانتشال الجثث، فمشهد الجرافة مألوف  في رفع جزءاً من الأنقاض لينهال باقي المبنى فوق رؤوس الأحياء، إذاً لا اندهاش، فالجرافة لإنقاذ الأحياء والجثث والتماثيل على حد سواء..


- قال رئيس قطاع الآثار المصرية محمد عفيفي أنه تم رفع جزء من رأس التمثال بالرافعة نظراً لثقل وزنه، بعد تدعيم الكتلة بواسطة العروق الخشبية وألواح الفلين لفصلها عن الجسم المعدني للرافعة، ولكن الصور المرفقة في الأخبار من على مواقع متعددة، خلت من أي عروق خشبية أو ألواح فلين، ويظهر جسم الكتلة ملاصقاً لجسم الرافعة دون أي تغطية أو تغليف إلا بطبقة من طين !
http://www.bbc.com/arabic/art-and-culture-39223839
- مما قد يزيد من طمأنة المصريين على كفاءة عملية التنقيب والحفر والرفع أنها تحت إشراف مباشر مشترك مع أثريين ألمان عاملين بالموقع، ولكن الصور جاءت خالية أيضاً من أي تواجد أجنبي، كثير من فؤوس تنهش التربة فوق وحول أجزاء التمثال، وكثير من أقدام غريبة تقف متفرجة تدعس هنا وهناك..
https://www.theguardian.com/world/2017/mar/09/look-on-my-works-ye-mighty-ozymandias-statue-found-in-mud
- قالت الدكتورة مونيكا حنا أستاذة علم المصريات أن المشكلة الحقيقية للصورة المتداولة لرفع تمثال رمسيس الثاني؛ أنها اكتشفت في أرض تم تسليمها لوزارة الأوقاف والوحدة المحلية من قبل المجلس الأعلى للآثار بطريقة غير سليمة بالمخالفة للقانون، وذلك في بداية الألفينات، وتم بناء سوق الخميس الجديد عليها، وأن موقع أثار المطرية هو من أهم المواقع للتاريخ المصري، وتسليم أرضه في السابق بدون حفائر كافية يعتبر جريمة يجب أن يُحاسب عنها جميع المسؤولين السابقين.
http://www.almasryalyoum.com/news/details/1100307?utm_source=Speakol_Ads&utm_medium=referral&did=18&lid=2065176
- في المتاحف يتم ضبط درجات الحرارة والرطوبة ويُعلَّق إلى جانب المعروضات الأثرية عبارة "ممنوع اللمس" ، حتى ولو كان الأثر غير قابل للكسر أو السقوط أو التضرر السريع، والحكمة من ذلك أن تكرار وتواتر وتعدد اللمس والتحسس للنقوش سينتج تأثير كتأثير عوامل التعرية (رياح وذرات رمال وقطرات ماء) التي تعيد تشكيل الصخور في الصحارى وعلى شواطيء البحار على مر الزمن!


ولكن قد يبدو أن هذا الكلام محض هراء أو خيال في ظل دولة تقوم بترميم آثارها بالأسمنت المحرَّم، وتلصق ذقن تمثال توت عنخ آمون بلاصق "الإيبوكسي"، وتنتشل تمثال أثري (حتى لو عثِر عليه مكسوراً) بشوكة جرَّافة !

الخميس، 2 مارس 2017

من شباك أحمد خير الدين



“وفي اللحظة دي بالذات بشكر القدر اللي خلَّاني متقبلة أركب عربية الترحيلات في محاولة أو كثمن إن المكان اللي عايشين فيه كله ما يبقاش عربية ترحيلات، إنك تبقى مستعد تدفع جزء من عمرك في الضلمة علشان تنقذ الأجزاء الباقية”..

مهما تخيّلنا كيف يكون إحساس من يتم اعتقاله منقاداً نحو صهريج كبير يُدعى “عربة ترحيلات” فإننا لن نصل إلى ذلك الشعور اللعين الممزوج بالخوف والترقّب والألم والضياع والانجراف نحو المجهول، ولكن قد نعيش جزءاً منه أو ما يقرب من حقيقته مع الكاتب  في كتابه الأول بعنوان “”، والشباك المقصود هو شباك سيارة الترحيلات، ذلك المجتمع الشبيه بمجتمع السجون، تتلاصق أو تتلاحم فيه الأجساد، محاولةً أن تتكيَّف مع التكدس والازدحام، وليس له منفذ إلى الخارج سوى شباك يدخل منه ضوء غير ذي قيمة، ويخرج أكثر منه حِزَمٌ من نداءات حزينة واستغاثات عقيمة، وأقصى ما يمكن أن يفعله السجين هو الدق على الباب والمحافظة على نفسه من الانقطاع!
“من الشباك”، مجموعة قصصية في ثوب القصص القصيرة تتميز بالسرد البسيط بلغةٍ فصحى سلسة مشوقة، صحيح أن تلك القصص وقائع حقيقية قصها أبطالها بقلم “أحمد خير الدين”، ولكن “خير” نسجها في جمل قصيرة وعبارات موجزة تُوصل المعنى دون تعقيد وتؤدي إلى المغزى ببلاغة عجيبة تمس القلب، وتخلق مواقف مؤثرة تعيشها بذاتك في دقائق القراءة، ولست كمجرد قارىء يتلو نصاً، أو مجرد شاهد أو مشاهد ينتظر نهاية مشهد عابر..
يُجَسِّد مشاعر ركَّاب العربة التي تتفاوت بين من يعتبر رحلة الترحيل فرصة ليشاهد العالم خارج السجن، وبين من يعتبرها منحة كاذبة طالما الجسد مقيد اليدين وراء القضبان، في جو من إهانة الكرامة والتنكيل، ومحاولة الاعتياد والتكيف بالسخرية من خلال غناء أغاني لا تليق بالموقف مثل: “فيها حاجة حلوة” وَ “الحياة بقى لونها بمبي” ، أو تهوين الرحلة على المرتعدين بحس الفكاهة والضحك، مع خلفية موسيقية مقيتة من صرير وقرقعة باب  في كل مرة يفتح  ويغلق فيها، مستدعياً من الذاكرة صوت فتح وإغلاق باب الزنزانة في السجن..
يسرد كيف هي الأحاسيس التي تطغى على نزيل عربة الترحيلات بمجرد أن يُحاط جسده بجدران معدنية تشع حرارة في الصيف كَفُرن، متعلِّقاً بشباك يعيق سلكه مزدوج الطبقات سهولة التواصل مع العالم الخارجي، وكيفية شغف نزلاء العربة بمعرفة وجهتهم وتطلّعهم من الشباك لاستكشاف في أي الطرق يسيرون، عن إحساس صحافي محبوس فيها بينما تنقلب الدنيا مظاهرات في الخارج وهو لا يملك من أمره شيئًا، وعن طالب أو طالبة يلف السبع لفَّات لتعنت الجهات المعنية في مكان انعقاد لجنة امتحانه، وعن فتيات معتقلات يُعاملن كمختطفات عند إطلاق سراحهن فيُتركن في وسط الصحراء..
القصص كلها كانت بصيغة المتكلم، تنوعت بين الحكي من داخل العربة، ومن خارجها، وكيف كادت أن تُزهق روح السجين في حر أغسطس، أو كيف أزهقت بالفعل روح غيره، كيف يَنظر إليها إذا ما مرت في الشارع بجانبه بعدما أصبح حُرا طليقا، قد تستغرق في قراءة ألوان من المعاناة في قصة، ثم تكتشف بعد صفحة أو صفحتين أن من واجه تلك المعاناة هي فتاة وليست شاب، لم يُغفل اللمحات الإنسانية، فكما سلَّط الضوء على أفراد الشرطة المرتشين لتمرير إعاشة أو بعض من الماء، ذكر أيضاً كيف يكون السجان ملاكاً حارساً، وكما يوجد ضابط غليظ القلب فيوجد آخر لين الطبع يُبدي تأثراً أو تعاطفاً مع وضع المساجين..
سرد القصص كما جاء على لسان نزلاء سيارة الترحيلات من معتقلين في مظاهرة، أو طفل قد ارتدى قميصاً طُبِعَ عليه “وطن بلا تعذيب”، أو صحفي، أو حتى ضابط وُضِع حول القضبان لجُرمٍ ما، جاءت أيضاً بعض القصص على لسان أب يسعى وراء عربة الترحيلات ليعلم الوِجهة التي سيؤول إليها مآل ابنه، وأم تلهث وراء ابنها بعد الإفراج عنه من سجن في شمال الجمهورية، في كعب داير لمدة شهر لتتسلَّمه من القسم التابع إليه في جنوب الجمهورية..
كان يبدأ سرد القصة بفقرات استهلالية من ذاكرة الطفولة، أو من مواقف مشابهة، مما أدى في بعض الأحيان إلى عدم ارتباط واضح بما سيتلوها من أحداث، مما قد يدفع القارئ إلى إعادة قراءة الفقرة أكثر من مرة لاستيعاب مراد الكاتب، اعتمد خير العربية الفصحى في لغة الكتاب، باستثناء آخر قصة تحصَّل عليها بجواب كُتِبَ بالعامية المصرية من أحد المعتقلات السابقات، ولم يذكر أسماء أبطالها، مما أعطى انطباعاً أنه عمل أدبي وليد عقل الكاتب، وبالرغم من أن القصص من واقع الاعتقال والتنكيل والتعذيب؛ إلَّا أن المجموعة القصصية ممتازة كبداية، أستطيع أن أقول أن أحمد خير الدين سيكون بارعاً إذا ما قام بكتابة القصص القصيرة، إذ إنه يمتلك أسلوبًا أدبيًا مميزًا يؤهله للنبوغ في ذلك النوع من الأدب الذي يغيِّر نظرة القارئ إلى محيطه، أو يعيد ترتيب وتعريف المفاهيم لديه..
من الشباك: مجموعة قصصية
الكاتب: أحمد خير الدين
الناشر: دار الشروق
تصميم الغلاف: كريم آدم