الاثنين، 16 أكتوبر 2017

فاروق شوشة.. غواص في بحر “لغتنا الجميلة”


ليس إعلاميَّاً عادياً يشوِّه مخارج الألفاظ أو يُخطئ في نطق علامات الإعراب، وليس أديباً يملأ الدنيا صخباً بمناسبة إصدار جديد، كما أنه ليس مثقفاً يثير الضجيج بالشاذ من المواقف والتصريحات، وإنما علَامة وعلَّامة في عالم الأدب والثقافة والإعلام، أثرى مجالاته بالإبداعات الشعرية والمؤلفات القيمة التي نشأت عليها أجيال؛ عشقت أنا اللغة العربية على يدي الأديب والإعلامي القدير فاروق شوشة.
تحل اليوم -الرابع عشر من أكتوبر- الذكرى الأولى لوفاة شوشة؛ الشاعر الدمياطي، حارس اللغة العربية المفوَّه بليغ الكلمة، العذب دافئ الصوت، الذي كان يتسم بهدوء ووقار يزيد اللغة العربية جمالاً، أو ربما اهتمامه بجمالياتها زادته أناقة؛ خدم اللغة العربية في عدة مناصب، فقد عمل أستاذا للأدب العربي في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وكان عضوا بمجمع اللغة العربية في مصر، وعضوا بلجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، ورئيسا للجنتي النصوص بالإذاعة والتليفزيون، كما عمل إعلامياً بالإذاعة والتليفزيون، من خلال برنامجه التليفزيوني “أمسية ثقافية” منذ عام 1977، الذي قام فيه بتوثيق مراحل هامة في حياة العديد من أهم الكتاب والشعراء، أمثال الشاعرين الكبيرين أمل دنقل وعبد الرحمن الأبنودي، والكاتب الكبير نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس، بالإضافة إلى برنامجه الإذاعي “لغتنا الجميلة” منذ عام 1967 حتى أصبح رئيساً للإذاعة عام 1994.
حامي حمى اللغة العربية لم يُهادن أبداً على حساب الثقافة، فقد أطلق نيران قصيدته “خدم” على رؤساء المؤسسات الثقافية، يهجوهم فيها باعتبارهم مسؤولين عن التردي الذي وصل له حال الثقافة والمثقفين، كما وجَّه اللوم للمثقفين أنفسهم الذين يبحثون عن المناصب والشهرة والجوائز، ويدورون في دوائر متشابكة من النفاق والمساومات على حساب اللغة العربية، وذلك بعد أن قام بطرح العديد من المبادرات للنهوض بالمستوى الثقافي للمواطن المصري، وقام بتقديم فكرة “أكشاك الثقافة” لتكون بمثابة مكتبات متنقلة تجوب القرى والكفور والنجوع، تُقدم أنشطة فنية وتعمل على تشكيل وعي الأجيال؛ كما اقترح أن تكون المدرسة وقصر الثقافة في عمل تبادلي، حتى إنه قام بطرح مبادرة على رئيس شركة صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات لتوزيع تسجيلات برنامج “لغتنا الجميلة” على الطلاب والمدرسين في المدارس كهدايا، تلقنهم صحة النطق وتعلمهم تذوق الأدب، وتكون مادة غنية للتعليم والتسلية في آن واحد، ولكن لم يتم تطبيق هذه المبادرة حتى تم تفريغ تلك التسجيلات في كتاب يحمل نفس اسم البرنامج.
رحل شوشة ولكنه ترك تراثاً دسماً فيما يزيد عن عشرة دواوين شعرية، والعديد من المؤلفات النثرية والنقدية، أشهرها “العلاج بالشعر”، معلماً رصيناً في دروس الإبداع، والإخلاص للغة، والاعتزاز بلغة الضاد في أعمال تعج بالزهو والكبرياء، ولو كان لأحد أن ينعي شوشة، فاللغة العربية ككيان لها السبق في النحيب على بحَّار عظيم غاص في أعماقها، وجمع كنوزها، وحارب من أجل إنقاذها من مظاهر التدني والقبح، وفي ذات الحين أثراها ببديع شعره وإتقان لغته وشجن إلقائه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق