الخميس، 28 فبراير 2019

أن تكون في محيط رمسيس!


https://web.facebook.com/notes/hala-moneer-bedair/%D8%A3%D9%86-%D8%AA%D9%83%D9%88%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%AD%D9%8A%D8%B7-%D8%B1%D9%85%D8%B3%D9%8A%D8%B3/10156039337756696/
بعد أن شاهدت بالأمس المشاهد الكارثية لاصطدام واشتعال قطار برصيف 6 في محطة مصر، تذكرت أني تواجدت في منطقة رمسيس الأسبوع الماضي في محيط صيدلية الإسعاف، واكب إحساسي (بأني كنت هناك) فضفضة الكثيرين عن العناية الإلهية التي أحاطتهم بعدما كان يفصل بينهم وبين تلك النهاية المأساوية مجرد دقائق معدودة.


إنه لأمر مُفزعٌ حقا أن يتخيَّل الإنسان نفسه أحد تلك الجثامين المتفحمة، أو تلك السيدة التي اشتعلت النار بحجابها من خلفها، أو ذاك المذعور جرَّاء صوت الانفجار يجُر زوجته أو أخته هربا من المجهول، أو أولئك الذين تلتهم النيران جلودهم يهيمون على وجوههم والجميع مذعورون منهم إلا رحيم واحد يهرع إليهم يُطفئهم بما استطاع حمله في "جركن" مياه..
مجرد متابعة تلك المشاهد المؤلمة يعصر الفؤاد ويُعيي النفس هذا حالي وأنا من قاطني دمياط (أو "الأقاليم" كما يحب أن يطلق القاهريون عليها وعلى غيرها من باقي المحافظات) لست موظفة أخرج في ساعات ذروة المرور أنتظر أتوبيسات هيئة النقل العام أو ميكروباص من ميكروباصات الخط، لا أعاني أدخنة عوادم السيارات ولا تكدس الأجساد في وسائل المواصلات، لم أركب مترو الأنفاق ولا قطار منذ ما يقرب من ثلاثين عاما، هذا كله وقد دب رعب في قلبي لمجرد أني تواجدت منذ أسبوع ولمجرد دقائق في منطقة حدثت كارثة في نقطة ما فيها، فما بالنا بأولئك الذين تدب أقدامهم يوميا ذهابا وإيابا في محطة مصر، يستغنون بأجرتها المتواضعة عن غلاء باقي وسائل المواصلات خاصة بين المحافظات، فالأرض التي حدثت فيها الكارثة الإنسانية هي همزة الوصل بينهم وبين بيوتهم ومقار عملهم ودراستهم ووجهات مصالحهم، ولا سبيل آخر لهم غير تلك المنطقة المنكوبة بالأمس، هم بالتأكيد توجهوا لركوب القطار اليوم وسيتوجهون لركوبه غدا وبعد غد، هم بالتأكيد تخيلوا أنفسهم مكان الضحايا، أو بالأحرى ينتظرون دورهم..
ومع كل هذا القهر والألم والذهول والرعب من غموض الحادث نجد بعض الآراء الشاذة التي أخذت على عاتقها منذ اللحظات الأولى الدفاع عن قضايا فرعية في خضم المجزرة، فتجد من يطالب بمحاسبة المسؤول عن تسريب فيديو كاميرا المراقبة للمشاهد الأولى للحريق، بحجة أن مشاهدة هذا الفيديو من اختصاص جهات التحقيق فقط، بينما لم يتورع هو ذات الشخص عن المبادرة بنشر الفيديو الذي يوضح سبب الحادث متناسيا رأيه منذ البداية من عدم مهنية المسؤول ولا إنسانية متابعي السوشيال ميديا لترويج الفيديو، وبالطبع فقد هلل ونشر وكتب عن اللقاء التليفزيوني الذي قدم السائق المتهم للمجتمع!
وآخرون طبعا رفعوا راية الحرب على الإخوان وفي مقدمتها القنوات الفضائية التي كان جزءا كبيرا من تغطيتها الإعلامية هو التأكيد على جرائم الإخوان محاولة الإيهام بأنها قد تكون مدبرة بيد سائق إخواني، والاستماتة في إثبات فبركة شبكة رصد لفيديو الرئيس السيسي الخاص بكلمته عن توفير مليارات تطوير السكك الحديدية، والتأكيد على جدية الدولة في تطوير منظومة النقل وهيئة السكك الحديدية، ولم يسأل أحدهم نفسه عن أي دلالة أو أمارة عن ماهية هذا التطوير وقد خلت المحطة ليس من نظام إطفاء سريع فقط، بل من مجرد طفاية حريق واحدة.

مثل هذا النمط في التناول الإعلامي من محاولة تفتيت الحقيقة الواحدة للحدث، وإبراز بعض النماذج الشاذة التي فقدت آدميتها في أحلك اللحظات، يشتت التركيز عن أدنى درجات التعاطف والمشاركة الإنسانية في أقسى وأشد الأوقات التي يحتاج فيها المنكوبون كل المواساة والمؤازرة، رحم الله الأموات والأحياء.

الأربعاء، 20 فبراير 2019

كحل وحبهان


- " يقول العلم إن رائحة ما بعد المطر الساحرة هي رائحة بكتيريا مخبأة في حويصلات النبات الجافة التي تنفجر بعد امتلائها بالماء بفعل المطر. ويقول قلبي إنها رائحة الحقيقة؛ عناق المطر والتراب هو رائحة الحياة في صورتها الأولى، البداية حيث لا شيء سوى الله، وبعض الطمي ومحبة جعلته يتحرك"..


- "يوترني عدم قدرتي على تحديد ما إذا كانت جملة (إنت عقلك أكبر من سنك) هي جملة مدح أم ذم!"..

- "أستمتع بتأنيب الضمير لكن يوترني أنني أعيد أخطائي بالإتقان نفسه"..


- "محدش واخد منها حاجة غير اللقمتين"..



- "يتوقف طعم الطبخة على مذاق الشوربة، مثلما يتوقف أثر العطر على رائحة الجلد نفسه"..


- "اعتزلت الجدة المطبخ لأنها لم تعد تعثر على ما يساعدها في الوصول إلى المذاق المحفور في ذاكرتها"..


آســفــــــة

آسفـة عَ اللي قُلْته واللي ما قُلْتوش
آسفـة عَ العُمْر اللي ما عِشْتـُــــوش
آسفـة يــا وقـــت فــــات بــــَــــدْرِي
آسفـة عَ القَطْر اللي ما لْحِقْتـُــــوش
آسفة على العيشـــة وعَ العِشْـــــرة
آسفة يا عِشـــق كــــان فكــــــرة
آسفة من امبـــارح ومن بكــــرة
آسفة عَ القلب اللي ماسْكِنْتــوش
آسفـة عَ الدَّمْـع اللي كـان أنْـهَــــار
آسفـة عَ الحُضن اللي لمَّا انـْهَــــار
آسفـة عَ الحُـزْن لِيـل  ونْهـَــــــــار
آسفـة على الحلو اللي مادُقْتُـــوش
آسفة على الهمس اللي كان غنـوة
آسفـة على الضَّعْف اللي كان قـُـوة
آسفـة عليـَّا ويِمْكِــن عليــه هُــــــوَّ
آسفـة عَ الحُـب اللِّي ما كْسِبْتُــوش

السبت، 16 فبراير 2019

جورج أورويل مؤلف كل العصور

https://www.goodreads.com/review/show/2516938454
https://www.goodreads.com/review/show/1115161470

https://web.facebook.com/notes/hala-moneer-bedair/%D8%AC%D9%88%D8%B1%D8%AC-%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%8A%D9%84-%D9%85%D8%A4%D9%84%D9%81-%D9%83%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B5%D9%88%D8%B1/10156016450991696/
رواية "1984" ، ورواية "مزرعة الحيوان" للمؤلف جورج أورويل، تتناول الروايتان الأنظمة الديكتاتورية ومحاولة الثورة عليها..



"انتبه الأخ الكبير يراقبك" عبارة تكررت في رواية 1984، تناقش الرواية حكم الأنظمة القمعية في حياة المواطنين، من خلال شرطة الفكر التي تراقب كل مواطن حتى أعضاء الحزب الحاكم أنفسهم، من خلال شاشات مراقبة وكاميرات وميكروفونات في كل ركن من أركان البيت..


لا يوجد مكان للحب، ولا الصداقات، كل العلاقات تحت مظلة الحزب الحاكم وبشعاراته وفقط، يتم محو الماضي بإعدام أي وثائق تؤرخا الأحداث أو حتى الأخبار، وخلق مفهوم التفكير المزدوج، بأن تعي الفكرة وفي نفس الوقت تؤمن بنقيضها وبمنتهى القناعة..
 الحرب هي السلام .. الحرية هي العبودية.. الجهل هو القوة!! 


الرواية سياسية خيالية وبالرغم من أن نشرها كان في سنة 1949 إلَّا أنها تصوَّر 
مدى قمع الأنظمة العسكرية الحاكمة لشعوبها في أيامنا تلك، ومدى جبروت الحكم الديكتاتوري ورغبته الشديدة في تجهيل العامة وخداعهم بحروب وهمية! 


برع "أورويل" في استخدام المصطلحات المتناقضة للإشارة إلى نقائض الحقائق :
سمَّى وزارة الاقتصاد التي تجوِّع الناس بوزارة الوفرة..
وزارة الداخلية بتعذيبها الممنهج وزارة الحب ..
ووزارة الإعلام اللي بتروج الأكاذيب بوزارة الحقيقة ..

الرواية مليئة بعبارات تصلح للاقتباس في كل وقت لأنها تتطابق إلى حد كبير مع واقع عديد من الدول ومنها بلدنا مصر !
الغريب أن من سنوات قليلة تم القبض على طالب جامعي بتهمة حيازة رواية 1984 واللطيف أن الصفحة الرسمية للأديب البريطاني الراحل، جورج أورويل على فيسبوك نشرت خبر القبض على الطالب!


أما رواية مزرعة الحيوان اللي نُشِرت سنة 1945 تعرض ثورة حيوانات مزرعة "مستر جونز" بسبب قسوته وظلمه، وتمكنها من طرده خارج مزرعته، وكان يرأس تلك الحيوانات مجموعة من الخنازير التي تولت مهام الإدارة والتنظيم ووضع مبادئ الإخلاص والتفاني والعدل والمحبة.


لكن ذات الخنازير سبقت باقي الحيوانات في عدم الالتزام بمبادئ الثورة، واستعبدت الحيوانات الأخرى وجوَّعتها وصادرت كل حقوقها!
الرواية تعرض السبب الرئيسي لفشل الثورات وهو فساد وطمع قادتها.
جورج أورويل رمز للأمن البلطجي بالكلاب، ولم ينسَ أن يذكر في هذه الرواية أيضا  الإعلام الذي يبرر كل أخطاء السلطة..
الرواية رمز ممتاز للمجتمعات التي تقوم على القهر والظلم والفساد ومحاولة الثورة عليها.

يسري فوده "في طريق الأذى - من معاقل القاعدة إلى حواضن داعش"

https://www.goodreads.com/review/show/2717715153
https://web.facebook.com/notes/hala-moneer-bedair/%D9%8A%D8%B3%D8%B1%D9%8A-%D9%81%D9%88%D8%AF%D9%87-%D9%81%D9%8A-%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B0%D9%89-%D9%85%D9%86-%D9%85%D8%B9%D8%A7%D9%82%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B6%D9%86-%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4/10156016461986696/ الكتاب يؤرخ أكبر وأهم حدث هز العالم كله، وهو تفجير بُرجي مركز التجارة العالمي في أمريكا، في العملية المسماة بـ "غزوة منهاتن"، أدرج اسمي منفذي العملية في هجمتين بطائراتين وهما "محمد عطا" و"زياد الجرَّاح".
حدث أن تم اتهام يسري فوده بالولاء لتنظيم "إرهابي"بعدما رفض الكشف عن مصادر سبقه الصحفي، الكتاب يُلقي الضوءعلى تطور حركة الجهاد العالمي بأسلوب بوليسي مغامراتي ودرامي، وبجمل أدبية سلسة للقراءة وموثقة بصور ومستندات وخرائط، بمنتهى المهنية والحرفية..

الكتاب مُكَوَّن من قسمين:
القسم الأول عبارة عن مغامرة يسري فوده لباكستان .. للقاعدة..
 والسبق الصحفي العالمي الذي نتج عن هذا اللقاء كان عبارة عن تسجيلات صوتية، والتي كانت أثمن من أي معلومات لدى أعظم قوى في العالم..

في هذا القسم يحكي فوده عن حجم الخطر الذي كان فيه و سلسلة الإجراءات التضليلية المتبعة، وكيفية التمويه من خلال القيادة في شوارع كراتشي أثناء وضع عصابة على عينيه للقاء اتنين من العقول المُدبِّرة لهجمات 11 سبتمبر، "خالد شيخ محمد" و"رمزي بن الشيبة" الذين رأوْا في فوده الإرهابي المثالي “ لتكليفه بمهمة توصيل صوتهم للعالم!


أما القسم الثاني فهو عبارة عن محاولة فوده الفاشلة للقاء القائد العسكرى لجماعة «الجيش الإسلامى فى العراق»، وكيفية التسلل للأراضي العراقية على يد مجموعة من المهربين خلال الحدود السورية، مثله مثل آلاف المقاتلين الذين دخلوا العراق بعد الغزو الأمريكي!

كثيرون رأوْا أن عنوان الكتاب جاء مخادعا بعض الشيء، خاصة بالنسبة للقسم الثاني، فكثيرون ظنوا أنهم سيقرؤون تحليلات عن كيف كانت القاعدة نواة لداعش، لكن هذا القسم جاء خاليا من أي تحليلات، أو جزم بأن داعش مجرد امتداد أكثر دموية من القاعدة، أو أن ظروف المنطقة هي السبب كونها بيئة خصبة لاحتضان داعشأو أنها صنيعة مخابراتية" مثلما يعتبرها كثيرون ..

فجاء رأي كثير من القرّاء أن الكتاب ليس أكثر من سرد لتجربة خطيرة خاضها صحفي، أو أن الكتاب لم يذكر جديدا عما عرضه يسري فوده في برنامجه "سري للغاية" عن هجمات 11سبتمبر، ولكن يسري فوده بنفسه ردَّ على هذا الرأي بأن الكتاب عبارة عن توثيق باللغة العربية ولأول مرة لحقائق تاريخية هزت العالم، إذ يعتبر مرجع لكل من أراد أن يسلك طريق الصحافة الاستقصائية..


يتميز أسلوب 
يسري فوده بالتماسك والتشويق، وبسلاسته المعهودة ولغته العربية الرصينة يستطيع أن يخلق عند القارئ دافع للاستمتاع بالقراءة، حتى ولو كان عنده علم مسبق بأغلب المعلومات التي وردت في الكتاب، الكتاب من إصدار دار الشروق لسنة 2015..


"كحل وحبهان"..طاجن روائي متكامل من مطبخ الأدب

https://www.e3lam.org/2019/02/16/403476/?fbclid=IwAR1J_ciidh4ozU4Ld5NVS3liabXJOKH2jupqLSBoBxkM7QzFiLYoI5m1KzU
https://www.goodreads.com/review/show/2717748894?book_show_action=false&from_review_page=1 تشترك حواسنا الخمس في استرجاع ذكرى كل تفصيلة في حياتنا، الصبر على المشاق، مرارة الانتظار، الإخلاص والغدر، الانتصارات والإحباطات والهزائم، مشاعر الحب والإعجاب، الطفولة والمراهقة، النضوج والاستقلال عن الأهل، هناك طعم ورائحة لكل شيء، وفي رواية "كحل وحبهان" الصادرة حديثا عن دار "الكرمة للنشر" يُعد لنا عمر طاهر طاجناً دسماً من هذه الذكريات.


"كحل وحبهان" وجبة متكاملة من نوستالجيا الثمانينيات، وهو الحقل الذي يُجيد فيه طاهر الغرس والحرث، إذ يغرس لدى قرائه بذور الذكريات الجميلة لونا وطعما ورائحة، ثم يحرث دفئا وحنينا وسعادة واسترخاء، يُفسح للأغنية مجالا واسعا، فأغاني محمد منير، ومحرم فؤاد، وعلي الحجار، وفايزة أحمد، وميادة الحناوي وعدد من الأغاني النادرة تُكَوِّن خلفية غنائية بديعة للعديد من المواقف الإنسانية اللطيفة، وكعادة طاهر في أعماله الأدبية؛ فإنه لا تمضِ بضعة أسطر إلا ويترك ابتسامة رائقة على ثغر القارئ.

زمن ومكان الرواية يتنقل ما بين القاهرة 2008 وبين استطعام ذكريات الصبا في الثمانينيات، ما بين عبد الله الذي يعجب بزميلته في العمل؛ "صافية"؛ لمجرد أن أهدته معجنات بالقرفة، وبين ذكرياته صبي مراهق يُدعى "سيسكو"، يحب "سحر"ابنة الجيران. "سيسكو/عبد الله" كان يمتلك معدة ثور هائج، أكول وهمه على بطنه، جوعان دائما يحتار ويُحَيِّر من معه فيما يجب أن يأكله، تؤلمه معدته إذا اقترب منه التوتر، يحلم بفتاة "تفتح نفسه"، ولعبته المفضلة هي التمهل أثناء صعود طبقات عمارته أمام شباك مطبخ كل شقة ليستكشف طعام كل بيت، يخاف من احتقان اللوزتين خشية الوقوع ضحية لطعام المرضى، يجد الونس في الطعام مع الصحبة، ومفتاحه الوحيد لاستعادة الحياة في استعادة الشهية.

مقادير الرواية:
- سنوات الطفولة والصبا والمراهقة والشباب
- بيت العائلة وحُضن الجدة وحِصن الخال وونس الجيران
- رائحة الطبخ وسماع الراديو وطعم ساندويتشات المدرسة

- وحفنة من نوستالجيا الأشياء:
كرتونة شرائط الكاسيت، سخان المصانع الحربية، القلم "الفرنساوي" الأزرق، كيس الساندويتشات البلاستيك، جهاز الأتاري، كاسيت "باناسونيك" ستريو ببابين و "الووكمان الباناسونيك"، البيجاما "الكستور" المُقَلَّمَة، المِقْلَمة المعدنية المرسوم عليها خريطة العالم، قلم الرصاص بـ"السنون"، شريط الـ "ريفو"، ومجلة "المصور"، التليفون الرمادي ذو القرص الدوَّار بزنته الأثيرة، اللمبة السهاري، رقعة بنك الحظ، ورقعة السلم والثعبان، الراديو والجراب الجلدي البني، كسوة التليفزيون من قطعة ملابس قديمة..

- وحفنة من نوستالجيا الروائح:
رائحة طشة الملوخية، أدخنة التحمير، كولونيا الليمون وكولونيا "أولد سبايس"، رائحة الكتب المدرسية الجديدة يوم استلامها..

- وحفنة من نوستالجيا الطعام:
لقمة "ودن القطة"، مصمصة أجنحة الدجاج والرقبة، قرقوشة فخذ الدجاجة، والتهام الكبد والقوانص المسلوقة، شاي ما بعد الغذاء، إفطار يوم الجمعة، الجبنة "النستو"، مربى مشكل "قها"، كوب الشاي باللبن، لِبَان "كوكوواوا"، زجاجات "السبورت كولا" و"الكراش"، التصاق بواقي النوجا "الروكيت" في الضروس..

- وحفنة من نوستالجيا الأماكن:
عمرأفندي، صيدناوي، منفذ بيع التموين ببطاقة التموين، نادي الشبان المسلمين، سينما قصر الثقافة، الحلواني والاستوديو، البقالة والكوافير والمكوجي..

- وحفنة من نوستالجيا الممارسات:
هواية جمع الطوابع، تجليد الكراسات، دق جرس الحصة الأخيرة في المدرسة، تتر برنامج الشيخ الشعراوي، برنامج ع "الناصية..


يُخبرنا طاهر من خلال الرواية ضرورة ملاءمة كل وجبة للحدث الملازم لها، آداب المائدة ووصايا الطعام، درس خصوصي عن متع النظر إلى الطعام وشمِّه ومضغه وبلعه، سر اختيار "العيش والملح" للتعبير عن الإخلاص، الفرق بين الأكول والذواق، الفرق بين إدمان القهوة والغرام بالقهوة، محاولة الوصول إلى كيفية ظهور فكرة أكل اللحوم، شهوة استطعام المحشي، وترنيمة في حب الباذنجان والتغزل في "المسقعة"، لعبة رائحة المشاهير، عن حلاوة طعام الأم منقطعة النظير، وكيف يكون التهام الطعام أو مجافاته دليلا على الاكتئاب، صحبة الأب والأم التي ليس ما بعدها صحبة. 

اقتباسات:
- "يقع الشخص في غرام المشقة إذا عرف الطريق"..
- "السعادة عايزه حرامية، لأنها ما بتجيش غير سرقة"..
- "خُلِقَت الحياة من أجل واحد ثم اقتضت الحكمة أنه من الأفضل أن تتم قسمتها على اثنين"..
- "الرائحة هي الذكريات"..

الخميس، 14 فبراير 2019

عيدك في الجنة يا ماما

https://www.e3lam.org/2019/02/04/398918/
https://web.facebook.com/notes/hala-moneer-bedair/%D8%B9%D9%8A%D8%AF%D9%83-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%A9-%D9%8A%D8%A7-%D9%85%D8%A7%D9%85%D8%A7/10156013072721696/



تكررت الوفيات في أقربائنا لفترات متصلة، وأثناء حضوري لجنازة أحد هؤلاء الأقارب وجدتني أتساءل عما نفعل في هذه الدنيا! نعيش لنتفرَّج على بعضنا البعض؛ نمرض ونموت ثم يدفن أحدنا الآخر، بئس تلك الحياة! خيَّم علينا الحزن من جديد، حزن على من تقع تحت قدميها الجنة، كان مختلفا، حزن مشوب براحة، حزن مفاجئ بالرغم أن النهاية كانت محتومة، عاجلة أو آجلة، كانت محتومة ولكنها جاءت سريعة جداَ أو بالأصح أسرع مما ظننت!
“بطني.. بطني.. بـــاطنـــااااااي” تنادي على بطنها تتوسلها الرحمة، أو تندبها وتندب ما جرى لها من آلام لم تكن على البال ولا على الخاطر، كان صوت صراخها يشق صدري بل ويقلع قلبي من بين ضلوعي، أنا التي أخفيت عنها طبيعة مرضها، فعلم الجميع وهي لم تعلم، كنت أُوصِي النسمة التي ستمر بها بكتمان سر نوع المرض، كنت أشك أن وقع على سمعها أصداء همسنا، ولكني أعتقد أن خيالها لم يكن ليجعلها تظن أنها مريضة سرطان، وهي التي كانت طوال حياتها تخشى ذكر اسمه وكانت تطلق عليه “المرض الوِحِش”.
أمي بطلة كأبطال مستشفى 57357، وبالرغم من خسارتها الحرب أمام المرض اللعين؛ إلَّا أنها صارعته بقوة حتى مرحلته الرابعة، صبرت على فقد الوزن والشهية وتحجر البطن والانسدادات المعوية وارتباك عمليات الهضم، لم تفقد ابتسامتها وبشاشة وجهها، لم تفقد حس الدعابة في أقسى لحظات التقلص والمغص، بل شاركتنا في محاولات جذب انتباهها وإنعاش حالتها النفسية، لم تفقد ذاكرة معلمة التاريخ فكانت تجيب أسئلة التاريخ في برنامج “العباقرة”، لم تفقد خوفها وقلقها على أولادها وأولاد أولادها؛ فأوصت الكل على حاله وماله وعياله، وكانت تسارع بتقديم الامتنان والشكر لكل يد تمتد لمساعدتها.
كنت إذا أخذت بيدها إلى التواليت تقول: “معلش تعبتك!”.. وكانت إجابتي دوما: “ماتقوليش كده يا ماما، طول عمرك تعبانة علشاني مش عاوزاني أردلك جزء من اللي عملتيه؟!.. ادعيلي يا ماما”.. فترد: “ربنا يصلح حالك ويهديلك أولادك”. لو أقمت لها ظهرها من وضع النوم، أو حملتها من تحت ذراعيها تقول: “حاسبي ظهرك” ! في عز صراعها مع المرض كانت قلقة عليَّ وعلى ظهري!، لو ارتطمت يدي في شيء؛ تصرخ وتقول: “اتعورتي؟ّ!!”، غريبة هي أمي؛ قلقة على يدي من لاشيء في عز آلام غرز الجراحة في بطنها!
كانت تكره المستشفى ولا تطيق الجلوس فيها لساعة واحدة، فتُصرّ على المغادرة وتفقد تركيزها فتكرر الأسئلة: “الدكتور جاي؟”، “المحلول خِلِص؟”، “هَنْرَوَّح إمتى؟”، عذرها معها بالتأكيد، فسحب الدم وحقن الأدوية والمحاليل وتثبيت الكانيولات والقسطرات وضع يهد الجبال، وهي كانت واهنة ضعيفة وصلت بالمرض إلى مرحلة متقدمة لا يُرْجَى فيها براء.
في جولتي معها أثناء إجراء التحاليل والفحوصات والأشعات، كنت أقص تاريخ أمي المرضي لكل طبيب جديد، هو ليس تاريخا بالمعنى الصحيح، فالمدة منذ اكتشافنا لتلك المأساة وحتى ارتقائها للرفيق الأعلى لم تتجاوز الشهرين، الكارثة التي حطَّت على رأسي كانت تؤرخ بمدى الدهر، كنت أحمل في حقيبتي ورقة تحمل ملاحظة مقتضبة “أمي سهام الفيل مريضة سرطان في البطن وهي لا تعلم عن حقيقة المرض شيء، أرجوك أي استفسار يكون جانبا بعيدا عن مسمعها”.
إحساس العجز والصِغَر والضعف واليأس كان يكسوني، وفي ذات الوقت كان لزاما عليَّ أن أظهر بمظهر القوة لأدعمها وأشد على يدها وأبث الطمأنينة في قلبها، أن ما ألمَّ بها من آلام مجرد مضاعفات عادية للعملية الجراحية وسوف تأخذ وقتها ثم ستتماثل قريبا للشفاء، ولكن كل ما أستطعت فعله هو أن أكون عصا تتوكأ عليها في خطواتها، أو حائط للاستناد، أو سمكة في حوض ماء تُسَلِّي صاحبها، كنت أحس وأنا أسفل قدميها أعالج كدمات كاحليها وساقيها وأدفئهما من البرد وكأني فعلا في الجنة التي وعد بها الرحمن.
رحيل أمي جاء كالحلم تستيقظ منه محاولا أن تتشبث بأحد أطرافه كي تظل محتفظاً بذكرى ما، في ساعات احتضارها أخبرتنا أنها ذاهبة إلى أبي رحمه الله، بصقت حبوب الدواء ولم تشرب الماء، ولكنها ابتلعت بضع ملاعق من “المهلبية” بعد قرابة الشهر الذي لم يدخل جوفها شيء، ربما تكون حلاوة روح تترك الدنيا، يارب يا أمي }روح وريحان وجنة نعيم{ ، ذكرت ورددت اسمي واسم أختي طوال ليلة احتضارها، ماتت بوجهها البشوش الوردي، استراحت من عذاب الدنيا وعذاب المرض، رحمها الله ولم يكتب لها أن تعيش ميتة، فكيف أتمنى لها طول العمر وهي راقدة محرومة من كل متع الحياة، كنت أتمنى لها الشفاء من مرضها وأنا أعلم أنه لا شفاء منه في مراحله المتأخرة، ولكني لم أفقد الأمل أبداً في رحمة وقدرة الله، كنت أتوسله باسمه الأعلى الذي إذا أراد شيئاً قال له “كن” فيكون، كنت أنتظر معجزة أن تشفى وأن تستيقظ صباح اليوم التالي وقد رجعت “سهام/ سمسم” النشيطة المبهجة محبة الحياة، قد تكون معجزة الشفاء أن قبض الله روحها بمثل تلك السرعة، لم أعلم أن مريضا للسرطان توفَّى بمثل تلك السرعة، رحمها الله من آلام المرض وآلام الكيموثيرابي وجلسات العلاج الإشعاعي، رحمها الله من أن تعاني قرح الفراش والتغذية عبر أنبوب في الأنف، رحمها الله أن يتمنى المحيطون لها الموت، رحمها الله وجعل الموت شفاء، مثلما هو راحة من كل شر.
عيدك أحلى في جنة الخُلد يا ماما، وإلى أن ألقاكِ يا حبيبتي، كل سنة وربنا راضٍ عني برضاكِ.