الجمعة، 17 فبراير 2017

"الدائرة السوداء".. دائرة مصر المفرغة ..




"هل تستطيع الرواية المزعومة أن تُفَسِّر لي لماذا أنا خائف من أمن الدولة كل هذا الخوف؟!"..
هكذا تساءل الأستاذ مالك الجندي بطل رواية "الدائرة السوداء" أستاذ الأدب العربي الذي يحاول بكل جهد يمتلكه إتمام دراسة يثبت فيها انقطاع نسب المصريين، بينما يحاول زميل له إقناعه بتجنب المشاكل وتحويل نظريته تلك إلى مجرد رواية، ويتداخل جهده هذا وهو الرجل المتزوج مع حالة من العشق الممنوع لفتاة من حركة "كفاية" ، ويتقاطع كل هذا مع بطش ضابط أمن دولة نرجسي في أوقات ما قبل ثورة 25 يناير..


تدور رواية "الدائرة السوداء" حول أستاذ جامعي مرموق تائه بين حياة زوجية بائسة له منها ثلاثة أولاد، وبين علاقة حب مع فتاة يتبادل معها رسائل الغرام في عمر أولاده والأدهى أنها معارضة للحكم وقد تقع في شباك أمن الدولة في أي لحظة، مما سبب له حالة من الفزع والرعب لما يعلمه عن التهديد بالتنكيل ضد أساتذة الجامعات من يجرؤ منهم على دعم حركات المعارضة ..

يُمتعنا الكاتب حمدي عبد الرحيم في روايته الصادرة عن دار الكرمة للنشر بنسيج روائي مترابط متشعب الأدوار، وفي نفس الوقت فكل فصل من فصول الرواية قائم بذاته وكأنه قصة قصيرة تتذوق بدايتها وتهضم نهايتها:-
- سرد الكاتب يجعلك وكأنك تجلس إلى جوار البطل، تُحَدِّق فيه وتنتظر ردوده وانفعاله وتهوره ونواياه المستقبلية، كأنك في موقع تصوير أو عرض لعمل درامي..

- استعراضه لشخصيات الرواية الأساسية والثانوية استعراض مركَّز ولكن بأسلوب لطيف وسريع لماضِ كل منهم بالإضافة إلى أبرز أو أهم منحنيات حياته..
- يهتم بالتركيز على الصفات الأساسية لكل بطل بوصف مفصِّلٍ بَيِّن، بداية بملامح الشخصية حتى طريقة اختيار الملابس..
- ماهر في الانتقال بالحوار من الواقع إلى الحوار مع النفس وكأنه عرض تمثيلي، يدفعك لترسم شكل الشخصية في مخيلتك من مجرد وصف رائحة أو نظرة عين..

- أسلوب أدبي سلس ويسير لوصف أدق حركات وسكنات الشخصيات، حتى تتداخل وتتقاطع حيوات الأبطال في سرد تشويقي مفصَّل أو مختزل يغزل بإتقان خيوط الحكاية..
- معاني الحب عرضها في قالب سامي بعيد عن شهوة الجسد، ولكن الحديث عن العلاقات الحميمية والغرائز الجنسية جاء بشكل قد يثير حفيظة بعض المحافظين..
- أخذت رسائل الحب التي تبعث بها المعشوقة لعشيقها تركيباً مختلفاً بعيداً عن الافتتان واللوع والشوق، وإنما حوت قص الإبنة لمدى افتتانها بأبيها وحكايته مع الحياة !
- الانتقال في بيئات مصرية مختلفة كثيرة منها: بحري اسكندرية، منيل القاهرة، حتى وصل إلى باسوس في الريف..
- يتنقَّل القاريء بين مشاعر إنسانية مختلفة: الهيام، الحيرة، الغيرة، الشك، اليأس، الهجر، الجفاء، الذنب، الفخر، الخجل، الفرح، وبالطبع أوهام الثورة والمعارضة والمقاومة والاحتقان ما قبل ثورة يناير..
- غلاف الرواية يحمل خاتمي خطبة صنعا من غلاف شوكولاتة أحدهما مزخرف تلبسه الأنثى، والآخر مجرد "دبلة" ملساء للرجل..

- استعار الكاتب اسم روايته من قصيدة "الموت في الفراش" لأمل دنقل وهي :
ضاقت الدائرة السوداء حول الرقبة
صدرنا يلمسه السيف 

وفي الظهر الجدار

الرواية: الدائرة السوداء
الكاتب: حمدي عبد الرحيم


دار النشر: الكرمة للنشر


تصميم الغلاف: كريم آدم



الأحد، 12 فبراير 2017

"خريف، دماء وعشق" ثلاثية الحُكم والحرب والحب

http://www.e3lam.org/2017/02/12/188179
https://www.facebook.com/notes/hala-moneer-bedair/%D8%AE%D8%B1%D9%8A%D9%81-%D8%AF%D9%85%D8%A7%D8%A1-%D9%88%D8%B9%D8%B4%D9%82-%D8%AB%D9%84%D8%A7%D8%AB%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%8F%D9%83%D9%85-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A8/10154374824096696

" وقلت في نفسي : إن الخير والشر لا يتعاقبان على القلب كما يتعاقب الليل والنهار.. بل هما حاضران معاً في ذات اللحظة، كأن تفتح عينيك أو تغمضهما" ، "خريف، دماء وعشق" الرواية الصادرة عن دار دوَّن هي العمل الأدبي الثاني لهاو "الثلاثيات" الكاتب أحمد مدحت  تُحكى على لسان " مِرِي آخِت" ولي ولي عهد طيبة في جنوب مصر، والتي تُصارع نفسه الخيّرة المثالية واقعاً يفرض عليه التخلي عن الرحمة واللين للانجراف إلى العنف والتدمير والدم، على لسانه ستستمع بحواره مع نفسه وإلى نفسه، حوار مُتَحيِّر ساحر آسر !..


القصة فرعونية تضعك في محيط المُلك والسلطان، وتدفيء قلبك حينما تقرأ عن إنبات برعم الحب في مهد الحاكم، ثم يُعتصر فؤادك عندما يحصد البطش والقسوة ذلك البرعم للإبقاء على قلب الفرعون صلباً خالياً من كل ما يجعله غضاً ليناً، أو يشغله عن استتباب الحكم وتجنب الخلافات وقمع الاضطرابات، واختلاف صولجان الحاكم بين تثبيت أركان الأقاليم بتقديم جثث المناوئين كقربان، أو بالرخاء عن طريق كرامة العيش والعلم والعمل ..

الأسلوب أدبي يفيض بالمعاني، كثير المرادفات، كثيف التشبيهات، قد تبدو مقدمة الرواية صعبة بعض الشيء لغير هواة القراءة، أو مفاجئة لقراء رواية أحمد مدحت السابقة "ثلاثة فساتين لسهرة واحدة"، ولكن القاريء لا يلبث إلا أن يغوص في بهاء الرواية ببلاغة عباراتها، وجمال جُمَلِها، وسحر أسماء أبطالها وأسماء مدن مصر الفرعونية، وعُمق فلسفتها والحِكَم التي تزخر بها ..

سرد أحمد مدحت يحملك في عباب الزمن المقدَّس والتاريخ البعيد، لتذوق مجد المُلك، ودفء الحب، وقوة السيطرة، حتى تحطيم الآمال والهزيمة وويلات الحرب؛ يجعلك تتذوقها تارة وتتجرَّع مرارتها كؤوساً تارةً أخرى، يرسم لك موقع تصوير في بيئة فرعونية أصيلة، الشروق والغروب في وادي النيل، جنبات القصر والمعيشة الملكية، مواكب الفرعون والحرَّاس، مراكب الصَّيادين وأفراس النهر في مياه النيل المقدَّس، وصف المعارك والقتل، وصف طبيعة الأرض وأحاسيس البشر وما يجول بخاطر الأبطال، عذب حين يكتب عن الحب العذري، حتى شهوة الجنس كان لها مكان بعرض محترمٍ راقٍ ..


قوام الرواية لوحة أدبية عن قسوة دروب السياسة ومتاهات الاحتجاج، ومغبة ظلم توزيع الغذاء وحصص المياه، ونقض العهود والمواثيق والمكائد وخطط الغدر، ودوامة الغل والانتقام، ويبرز في جنب من جنباتها الثورة، حتى كأنك تقرأ في أسبابها وكأنها أسباب ثورة أيامنا المعاصرة : (بخس الأجور، نهب مصادر الثروة، فساد منظومة العدل، تهالك البنية التحتية، إهمال وظلم حكام الأقاليم للفقراء والفلَّاحين)، يكتب عن اختلاف مفهوم الثورة بين الفوضى والرغبة في تحقيق العدل، واختلاف مفهوم ذلك العدل بين وجهة نظر الحاكم الجالس على عرشه، وبين شعب عانى من رحى القمع، حتى يقع الاقتتال بين أهل الإقليم "الحزب" الواحد، ويقع الحاكم في الحيرة بين الانتقام من المتمردين وبين العفو الشامل لينعم بمُلكٍ مستقر..

الغلاف يحمل صورة لإمرأة فرعونية بيضاء ممشوقة القوام تكشف عن ساقيها على شاطيء رملي بمحازاة مياه فيروزية تعكس على ما يبدو شروق شمس الخريف، وذلك كله مطبوع على ورقة صفراء قديمة مهترئة بفعل الزمن، وقد صَبَغ أعلاها إلى اليسار بقعة من دماء، ( تصميم الغلاف : كريم آدم ) ..
اقتباسات :

- ما دامت القوة موزَّعة بالتساوي بين متصارعين، فهذا يعني أن طائفة من الطوائف لن تستطيع أن تستأثر بالحكم المنظم المستقر، وما أسرع أن يكتشف المتصارعين أنهم لن يحكموا عندئذ سيكتفون بالتدمير والهدم..
- لِمَ نبحث دائماً عن راحتنا في الأمور المعقدة؟! ولِمَ تختار قلوبنا دائماً الطرق الشاقة؟! ولِمَ نضيع أعمارنا خلف ما لا يتاح إلا بعد أن نذوب في الصراعات التي لا تنتهي؟!..
- لا معنى للسرور طالما يتقهقر البدر كل شهر ويذبل بعد اكتمال حسنه !!
وكذلك هي الحياة .. فكأنها تقوم على الماء لا على الأرض، فيصير من المُحال أن نحتفظ بثباتنا وسرورنا إلى الأبد..