الجمعة، 31 أغسطس 2018

"في حضرة نجيب محفوظ" .. شكرا محمد سلماوي




هل تعرف الأديب الكبير نجيب محفوظ حق المعرفة؟.. ربما نعم، أمَّا إن كانت إجابتك متشككة فإني أدعوك لقراءة كتاب "في حضرة نجيب محفوظ" للكاتب محمد سلماوي، والصادر عن الدار المصرية اللبنانية في 2012.
ربما قرأت الكثير من أعمال محفوظ الروائية، أو شاهدتها سينمائيا، ولكنَّك لم تكن لتعلم عن محفوظ الإنسان المتسامح البسيط المتواضع إلَّا من أكثر الناس قربا له، ومن هؤلاء "سلماوي" الذي ظل في حضرة محفوظ على مدار اثنى عشرة عاما، يذهب إليه في بيته أيام السبت من كل أسبوع ليسجل معه الحوار الأسبوعي، حتى وصل مجموع هذه التسجيلات لما يزيد عن خمسمائة ساعة، يأتي إليه بالأصدقاء وكبار الشخصيات، ويُمثله في المحافل الدولية ويُلقي الكلمة نيابة عنه.
من خلال أربعمائة صفحة مقسمة إلى أربع أبواب يبهرنا سلماوي بمئات من المواقف والتصريحات والتعليقات من الأديب الذي رفع هامة الأدب العربي عالميا بحصوله على نوبل في الأدب عام 1988، والذي تسلمها سلماوي بنفسه نيابة عنه من الأكاديمية السويدية.

الباب الأول بعنوان "لقاءات معه" حوى العديد من لقاءات محفوظ  بكبار الكتاب العالميين، والشخصيات الدبلوماسية وأصحاب الفكر والقلم، والأصدقاء، أثناء زيارتهم محفوظ في بيته، وملخص الأحاديث الهامة والودية والطريفة التي دارت بينهم وبين محفوظ في بيته، إذ كانت أغلب هذه اللقاءات تشغل أيام السبت في منزل محفوظ لعدم قدرته الصحية على الخروج، مهما بلغت أهمية سبب وصاحب الزيارة، لازدحام جدول محفوظ وتوزيعه بدقة لأيام الأسبوع بين الأسرة والأصدقاء والمريدين، حتى أنه تقلَّد أسمى الأوسمة داخل حجرات بيته.

أما الباب الثاني فكان بعنوان "مقالات عنه"، وهو ما كتبها الأستاذ محمد سلماوي على مدار ما يزيد عن عقدين من الزمان في أكثر من مناسبة، ما نُشِر منها وما لم يُنشر، وتتعرَّض تلك المقالات لحياة محفوظ، فيجد القارىء نفسه في معية محفوظ يتعرَّف عليه أو يعرفه كأنه صديق أو قريب، يلمس فيه كل معاني الإنسانية ويفتقد رحيله.

أما الباب الثالث فهو بعنوان "كلمات له" وفيه مجموعة من كلمات محفوظ نفسه وحكاياته في مواقف مختلفة، كما يضم كلماته الافتتاحية أو الرئيسية في عدد من المحافل الدولية.

أما الباب الرابع فبعنوان "صور له" يضم عددا من صور الأديب الراحل نجيب محفوظ، التقطت في العديد من المناسبات التي ذكرها سلماوي وغيرها مما لم ترد بالكتاب.

من كتاب "في حضرة نجيب محفوظ" تستطيع أن تعرف كيف أحب محفوظ الموت كما أحب الحياة، نظام حياته الصارم التنظيم الهادئ الأحداث، قصة قلمه الأسود الشيفر الذي عاد إليه بعد وفاته، الرد على كل حاقد ومغالط في أسباب حصوله على جائزة نوبل، تقديسه للقضية الفلسطينية، عدم مهادنته لأي سلطة، قوته وصموده في وجه الاغتيال المادي والمعنوي، احتفاء الغرب بذكرى ميلاده مقابل إهمال وتجاهل جهاز الإعلام في بلده، كيف يكتب وماذا يصنع بمسودات الكتابة، مكانة الرواية الفرعونية في أدبه، ومتى توجَّه إلى الرواية الواقعية، تواضعه واستهانته بالنقود، كيف يحفظ أحلامه حتى يأتي وقت إملائها لعجز يمناه عن الكتابة، كيف ومتى اكتملت الموهبة الأدبية لديه.

مع الكتاب ستبتسم لدعابات محفوظ، وسيرق قلبك لتسامحه وزهده، وستأخذ درسا في فلسفته، وسيدفعك دفعا لاقتناء وقراءة كل إبداعاته.

في ذكرى رحيله.. مواقف “في حضرة نجيب محفوظ”


https://www.e3lam.org/2018/08/30/338868

https://www.e3lam.org/2018/08/30/339122
https://www.facebook.com/notes/hala-moneer-bedair/%D9%81%D9%8A-%D8%B0%D9%83%D8%B1%D9%89-%D8%B1%D8%AD%D9%8A%D9%84%D9%87-%D9%85%D9%88%D8%A7%D9%82%D9%81-%D9%81%D9%8A-%D8%AD%D8%B6%D8%B1%D8%A9-%D9%86%D8%AC%D9%8A%D8%A8-%D9%85%D8%AD%D9%81%D9%88%D8%B8/10155690160731696/


كان الأديب الكبير نجيب محفوظ يجيب دومًا من يسأله عن سبب عدم كتابته سيرته الذاتية، بأن حياته ليس فيها ما يهم أحدًا، وبالرغم أن حياته الطويلة التي تعدَّت تسعين عامًا كانت حافلة بالإنجازات والنجاحات التي لم يسبقه فيها أحد، إلَّا أنه بلغ من التواضع الذي يجعله معتبرًا حياته حياة عادية ليس فيها ما يتم توثيقه، ولكن كتاب “في حضرة نجيب محفوظ” للكاتب محمد سلماوي؛ ذاخر بالمواقف والحكايات عن نجيب محفوظ، اجتهدت أن أنقل بعضًا منها، مما قد يكون طريفًا أو إنسانيًا أو إرشاديا، إمَّا تلخيصًا مما ورد على لسان سلماوي، أو نقلا بالنص عما رواه محفوظ بلسانه أو نقلا عنه، وفيما يلي بعض الحكايات المنتقاة.
ثمن أول كتاب لنجيب محفوظ
أول كتاب أدبي صدر لمحفوظ هو رواية “عبث الأقدار” وكان ثمنه قرش صاغ واحد؛ (وياريته أخذه كمان)، كان ذلك في عام 1938 فلم يتقاضَ أجراً عن الكتاب، بل حصل من الناشر على 500 نسخة، أخذها على عربة حنطور ووصل بها إلى أقرب مكتبة، فتفاءل باسمها “الوفد”، وعرض الكتب على صاحبها، فقال له: “مين نجيب محفوظ ده؟!” فقال له أنه هو، فقبل عرض الكتاب في مكتبته على أن يبيعه بقرش صاغ واحد، كلما بيعت نسخة سيعطيه تعريفة ولصاحب المكتبة تعريفة.
ظل محفوظ يمر على المكتبة كل يوم ليسأل صاحبها عن أي نسخة قد بيعت، لكن الإجابة كانت أن أحدًا لم يشترِ الكتاب، حتى يوم مر بالمكتبة ولم يجد الكتب في العرض فظن أنها بيعت كلها، إلَّا أن صاحب المكتبة أخبره أنه أودعها المخزن لأنها “ملهاش سوق”. ولكن بعد صدور رواية “خان الخليلي” التي ذاع صيتها اكتشف محفوظ أن صاحب المكتبة أخرج نسخ “عبث الأقدار” من المخزن وكان يبيعها بخمسة قروش، لكنه كان يحاسبه على الاتفاق القديم، فكان لا يحصل من الخمسة قروش إلا على الخمسة مليمات المتفق عليها!
قلم محفوظ الذي عاد إليه بعد وفاته
شاب خرج لتوه من اعتقال سياسي قضى على موهبته الأدبية، قابل نجيب محفوظ سائرًا على قدميه في أحد شوارع القاهرة، فلما وجد من محفوظ استجابة في التحية تشجع وشكا له همه، ولكن محفوظ لم يواسه أو يُطَيِّب خاطره وإنما دعاه لحضور لقائه الأسبوعي بكازينو قصر النيل، قائلا له: “سأكون في انتظارك فلا تتخلف”، ذهب الشاب ووجد نفسه بين عمالقة الفكر والأدب، وشكر محفوظ في نهاية اللقاء، ولكن محفوظ قال له: “موعدنا الأسبوع القادم إن شاء الله”، وهكذا واظب الشاب على حضور جلسات محفوظ.
وبعد عدة أسابيع بدأ يشارك على استحياء، وفي نهاية أحد هذه اللقاءات قال له محفوظ: “إنك لم تأتني حتى الآن بأي شيء كتبته!”، فقال له الشاب: لقد بدأت الأفكار الأدبية تداعبه من جديد، ولكنه لا يملك ثمن القلم والورق، فأخرج محفوظ من جيبه قلم “شيفرز” أعطاه له قائلا: “هذا هو قلمي لتكتب به”، ثم أعطاه عشرين جنيها قائلا: “وهذا ثمن الورق، أما النشر فاتركه لي”.
هذه القصة الإنسانية المؤثرة رواها رجل للأستاذ محمد سلماوي، وقام بإعطائه هذا القلم الذي ظل محتفظا به لسنوات، ويرقد الآن هذا القلم الأسود ذو الغطاء الذهبي وسط مجموعة من متعلقات نجيب محفوظ في خزانة عرض متحفية خاصة بالمبنى التاريخي لاتحاد الكتاب بقلعة صلاح الدين، إلى جانب كلمته في احتفالات نوبل بخط يده والعصا التي كان يتكىء عليها.
الخطة الأولى لحادث الاغتيال
– ما رواه محفوظ لسلماوي:
عندما ذهب الكاتب محمد سلماوي إلى الأديب نجيب محفوظ في مستشفى الشرطة عقب حادث الاغتيال الغاشم، قام محفوظ برواية ما حدث كالتالي:
“أنا لم أرَ الشاب الذي اعتدى عليَّ.. لم أرَ وجهه.. الذي حدث هو أنني وأنا أهُم بركوب السيارة لأذهب لموعدي مع أصدقائي الندوة الأسبوعية، وجدت شخصا يقفز بعيدا، وكنت قد شعرت قبلها بثوان معدودة وكأن وحشا قد نشب أظافره في عنقي، وقد دهشت ولم أدرك بالضبط ما حدث، لكني حين شاهدت هذا الشخص يرمي خنجرا كان في يده فهمت على الفور ما حدث، وعرفت أن هذا الخنجر هو الذي كان في عنقي، وبدأت أشعر بالدماء تنزف من عنقي، فوضعت يدي على رقبتي لأوقف النزيف، بينما انطلق صديقي الدكتور هاشم فتحي بالسيارة إلى مستشفى الشرطة الملاصق لبيتي”.
وعندما سأله سلماوي عن مشاعره تجاه ما حدث؛ قال: “شعوري مزدوج، فمن ناحية أشعر بالأسف لتكرار جرائم الرأي، إنه لشيء مؤسف جدا ومسيء جدا لسمعة الإنسان في العالم أن يؤخذ أصحاب الرأي.. أصحاب القلم هكذا ظلما وبهتانا. ومن ناحية أخرى، فإنني أشعر بالأسف أيضا من أن شبابا من شبابنا يُكرِّس حياته للمطاردات والقتل فيطارد ويُقتل، بدلاً من أن يكون في خدمة الدين والعلم والوطن، إن الشاب الذي رأيته يجري كان شابا يافعا في ريعان العمر.. كان من الممكن أن يكون بطلا رياضيا أو عالما أو واعظا دينيا، فلماذا اختار هذا السبيل؟ لست أفهم!.. إنه ضحية، لذلك فشعوري نحوه هو شعور الأب تجاه الابن الضال الذي ضل الطريق، إنه شعور أكثر إيلاما مما يمكن أن تشعر به تجاه أي مجرم عادي، لكني سامحته عما يخصني، أمَّا ما يخص المجتمع فالعدالة يجب أن تأخذ مجراها”.
– ما رواه المجرم منفذ عملية الاغتيال لسلماوي عن خطة الاغتيال:
كان مخطط عملية الاغتيال هو توجه منفذي العملية (محمد ناجي وباسم “الذي قُتِل أثناء القبض عليه”) إلى منزل نجيب محفوظ في اليوم السابق على الاغتيال، فقد ذهبا بالفعل وكانا يحملان داخل طيات ملابسهما مسدسًا وسكينًا، وكان باسم يرتدي ملابس عربية ليبدو أنه من دول الخليج، حاملين الحلوى والورود للتمويه، ولمَّا فتحت زوجة محفوظ الباب قالت أنه غير موجود، وأنهم يمكنهم مقابلته في الغد في ندوته بكازينو قصر النيل في الخامسة بعد الظهر. فقال المجرم: أن الخطة كانت ذبح نجيب محفوظ داخل منزله بالسكين، والمسدس كان لتهديد أهله حتى لا يطلبون النجدة، فلمَّا لم يجدوه قرروا ذبحه في اليوم التالي.
تأثير جائزة نوبل عليه
عندما سُئِل نجيب محفوظ عن شعوره عندما علم بفوزه بالجائزة قال: “لقد تنازعني شعوران؛ أولهما: السعادة المفرطة، وثانيهما: الدهشة العارمة، فلم أكن أتوقع مثل هذا الفوز، كنت قد سمعت بالطبع بالجائزة وبالفائزين بها لكني لم أتخيَّل أبدا أنني سأفوز بها في يوم من الأيام، لأن من فازوا بها كانوا كتابا على أعلى مستوى، وقد كنت أسمع أنه ربما يفوز بها كاتب عربي لكني كنت أشك كثيرا في ذلك”.
وعندما سُئِل عن تأثير الجائزة عليه شخصيًا وعلى أعماله قال: “فيما يتعلَّق بأعمالي فمن الطبيعي أن تشجعني على مواصلة الكتابة، ولكن جاءتني الجائزة في مرحلة متأخرة من حياتي الأدبية، فلم أكتب بعد نوبل إلا “أصداء السيرة الذاتية” و”أحلام فترة النقاهة”، حتى رواية “قشتمر” التي صدرت في كتاب بعد الجائزة؛ كنت قد كتبتها قبل ذلك ونُشرت مسلسلة في “الأهرام”. أمَّا من الناحية الشخصية فقد فرضت نوبل عليَّ أسلوب حياة لم أعتده ولم أكن أفضّله، تمثَّل في سيل المقابلات والأحاديث الصحفية في الجرائد والتليفزيون، وأنا قبل ذلك كنت أفضِّل أن أعمل في هدوء.
وعندما سُئِل عن ماذا حدث له منذ فوزه بالجائزة عام 1988 قال: “أهم ما حدث لي هو تلك العَلْقَة التي نلتها عام 1994”. ( مشيرا إلى رقبته قاصدًا حادث الاغتيال).
الجوائز المالية التي لم يُنفقها
بعد أن تَحَدَّدَ طريقه في الفن الروائي وعرفه الناس فاز بجائزة الدولة مرتين:
المرة الأولى هي جائزة الدولة قبل الثورة وكانت تُعرف باسم “جائزة الملك فؤاد” وكانت قيمتها ألف جنيه، وكان هذا المبلغ كبيرًا في ذلك الوقت، فخشية أن يضيع اشترك في جمعية كانت تقوم بإنشاء فيلات على النيل بالمعادي، ولكن بعد أن دفع الألف جنيه حدث أن كان رئيس مجلس إدارة الجمعية والسكرتير في طريقهم إلى الإسكندرية حاملين معهم نقود كل المشتركين؛ لإتمام بعض العمليات التجارية حين انقلبت بهم السيارة ولقوا حتفهم وضاعت كل الأموال بعد أن وجدوا الحقيبة التي كانت معهم فارغة.
والمرة الثانية بعد الثورة، وكانت ألفين وخمسمائة جنيه، وكان الاعتقاد السائد وقتها أن كل الفنانين معفيون من الضرائب، ولكن بمجرد استلامه الجائزة وجد أن الأديب ليس فنانًا وفق تعريف الحكومة، لذا حاسبته الضرائب بأثر رجعي على كل السنوات الماضية التي تصور نفسه فيها فنانًا، وبهذا راحت الجائزة وفوقها ما هو أكثر.
ثم جائزة نوبل التي ظن أنها ستعوضه عن كل ما فات، ولكنها صودرت هي الأخرى ولكن المصادرة هذه المرة جاءت من أسرته، فقام بتوزيعها على زوجته وابنتيه، أما نصيبه الشخصي من الجائزة فقد تبرع به لصالح مرضى الفشل الكلوي.
اقرأ أيضا : أبرز 20 صورة في حياة نجيب محفوظ:
لم يكن نجيب محفوظ مجرد كاتبا وروائيا كبيرا يتناول الواقع المصري بشكل مختلف فحسب، بل كان مفكرا وصاحب رؤية خاصة كانت السبب الرئيسي لوصوله للعالمية، بل وتهافت كبار المسئولين للقائه والحديث معه، ما جعل حياته مليئة بالمواقف والأحداث التي شغلت الصحف والأوساط الأدبية لفترات طويلة.
في الذكرى الـ 12 لرحيله، يرصد إعلام دوت أورج، أبرز اللقطات في حياة أديب نوبل، التي وثق جزءا منها الكاتب الكبير محمد سلماوي في كتاب “في حضرة نجيب محفوظ”، وذلك من خلال السطور التالية في اللينك التالي:

الخميس، 16 أغسطس 2018

“أفراح المقبرة”.. 9 حكايات ودع بها أحمد خالد توفيق مريديه

https://www.e3lam.org/2018/08/16/335310

https://www.facebook.com/notes/hala-moneer-bedair/%D8%A3%D9%81%D8%B1%D8%A7%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A8%D8%B1%D8%A9-9-%D8%AD%D9%83%D8%A7%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%AF%D8%B9-%D8%A8%D9%87%D8%A7-%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%AE%D8%A7%D9%84%D8%AF-%D8%AA%D9%88%D9%81%D9%8A%D9%82-%D9%85%D8%B1%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D9%87/10155660438166696

رحل العراب الدكتور أحمد خالد توفيق ولكنه ترك من ورائه آخر أعماله، يقرؤها محبوه وهم في غصة أن يكون بين أيديهم آخر كتاب لمعلمهم، وغصة انتظار الجديد الذي لن يكون!
كتاب "أفراح المقبرة" الصادر حديثا عن دار الكرمة للنشر، هو مجموعة قصصية نُشِرَعدد من قصصها سابقا في حلقات على مواقع إلكترونية، وتضم المجموعة تسع قصص من أدب الرعب والفانتازيا والخيال العلمي، المُستقى من عالم الماورائيات والأساطير، الممزوج بالطب وعلم النفس والتاريخ والعديد من الحقائق والوقائع، تنوعت القصص في الطول والقِصَر، فمنها ما كان مختزلا ومقتضبا جدا، ومنها ما كان الاستطراد والإسهاب سمة بارزة فيها، تنوعت القصص أيضا من حيث لسان السرد، ومن حيث عدد أبطالها وشخصياتها، كما أنها لم تخلو من حس الدعابة والفكاهة.. اعتاد كتاب القصة القصيرة أن يطلقوا على مجموعاتهم القصصية عنوانا يحمل نفس عنوان إحدى قصص المجموعة، ولكن الملاحظ على "أفراح المقبرة" أنها لم تحمل عنوان أي قصة وردت فيها؛ تبادر إلى ذهني أن العنوان قد يكون مُستوحى من تلك الفرحة التي يرسلها د.أحمد خالد توفيق من مقبرته إلى محبيه وهو يرقد في سلام .. الغلاف جاء بلون أسود أضفى على الكتاب مزيدا من الأناقة والفخامة، حاملا عينا نارية تتوهج باللون الأحمر لقط أسود فاحم مناسب لأجواء الرعب، خلت مقدمة الكتاب من أي إهداء، وإن كنت أرى أنها لفتة ظريفة لو أن دار النشر تكتب الإهداء لروحه الخالدة، إهداء منه وإليه.. من مميزات د.أحمد خالد توفيق أنه يجعل أعماله ملأى بالمرادفات الصعبة وأسماء الأماكن والشخصيات والظواهر والمصطلحات الطبية والمسميات العلمية غير المألوفة التي تدفعك لفتح محرك البحث "جوجل"، وبذلك تنمو حصيلتك اللغوية وتتسع دائرة معلوماتك العامة..

في بداية كل قصة تم اقتطاع جزء مشوق منها كفقرة استهلالية، وفيما يلي نبذة مختصرة عن كل قصة في المجموعة:


1. نيولوجيزم:


يبدأ دكتور أحمد خالد توفيق القصة بفقرة مكونة من أربع سطور، كلماتها غير مفهومة، للغة غريبة غير معروفة، يلقيها شخص على مسامع خطيبته فيصيبها بالرعب، يشرح الكاتب من خلال تلك القصة تلك الحالة التي يتمكن أحدهم خلالها من الكلام بلغة أجنبية لم يتعلم حرف من حروفها قط وبمنتهى الطلاقة، فإما أن تكون حالة نفسية تُدْعى "زينوجلوسيا"، أو ربما تكون دليلاً على تناسخ الأرواح، أو قد تكون حالة من حالات الهيستريا، أو هي اللغة الخاصة التي يخلقها مرضى "السكيزوفرينا/الشيزوفرينيا".

- من خلال القصة ستبحث عن:
 الكلام بالألسنة، الزولو، طريقة فك الشفرة في الحشرة الذهبية قصة "إدجار آلان بو"، الورم المسخي"تيراتوما" الذي يحوي أسنانا وعظاما وشعرا، "مرض neurofibromatosis/ الورم العصبي الليفي".

2. موعدنا الليلة: 

لأن الحياة رتيبة مملة فإننا نبحث دائماً عن ذريعة لبقائنا، هكذا كان حال بطل القصة، بالرغم أنه يعيش وحيدا إلا أن حياته مزدحمة بالكتب، ومع ذلك ظل يبحث كمتسول عن ذريعة بقائه، وهي رواية لمؤلف رعب شهير بعنوان "موعدنا الليلة"، كل من يقرأ الرواية تتحول معه إلى واقع، يكون القارئ فيه هو الضحية، ضحية آكل لحوم البشر.

 - ستبحث في القصة عن:
البارون "مونشهاوزن"، كُتَّاب الرعب "جون كالوزي" و"ستيفن كينج" و"كليف باركر".
3. سفاح المستنقعات:
في هذه القصة تتكرر جرائم القتل بنفس الكيفية وفي نفس المكان، جثة شاب ممزقة خالية من الدماء تطفو فوق مياه المستنقع، تندمج المشاهد المرعبة مع الأجواء البوليسية وعمليات تحقيق النيابة، فتجعلك داخل فيلم يجمع بين الجريمة والرعب. - ستبحث فيها عن : أسطورة "لاميا" ملكة ليبيا المسحورة، الجنيَّة "عيشة قنديشة" الأشهر في عالم الجن في التراث الشعبي المغربي ، سحلية "التواتارا"، "بوباسطي" معبد الإلهة"باستت"، معنى كلمة "المُسَخْمَطَة".
4. الأخرى:
مريضة نفسية تذهب لعيادة طبيب نفسي تشتكي معاملة أختها المتسلطة، يعتقد الطبيب في بادىء الأمر أنها حالة من حالات الفصام، ولكن سرعان ما يلقى مصيره. - ستبحث عن: معنى كلمة (التهانف). 5. عشر علامات:
قصة محرر في جريدة يحلم أن ينشر كتاب موضوعه (عشر علامات تدلك على أن جيرانك موتى أحياء)، استلهم موضوع الكتاب من جيرانه الذين يراقبهم من شقته، حتى تورط يوما في الدخول إلى بيتهم محاولا اكتشاف تلك الأدلة التي تثبت صحة اعتقاده بأنهم فعلا موتى أحياء، زاد القصة إثارة وتشويقا أن بطلها كان يتحدث عن نفسه، ويوجه الكلام أحيانا إلى القارىء مما أضفى جوا من المرح والمتعة في أجواء تحبس الأنفاس رعبا. - ستبحث عن: ظاهرة "باريدوليا" التي يقوم فيها العقل بتفسير بعض الأشكال غير المنتظمة لتكون أشكال معروفة، كتاب "إينوخ" في السحر والشعوذة، أفلام هامر، مدام توسو، إندورفين، المتلازمة النفسية "كوتار". 6. نادي أعداء مصاصي الدماء:
معركة ضارية بين مجموعة من الرجال أطلقوا على أنفسهم (نادي أعداء مصاصي الدماء) والعديد من مصاصي الدماء تحت اسم (جماعة الثُّعبانَيْن المُتصارعَيْن) في حلقة من الكر والفر المستمر بين الجانبين، يُعدد أسماء مصاصي الدماء لدى العديد من الشعوب، ويذكر أن "سخمت" المعبودة الفرعونية أول مصاص دماء في التاريخ البشري ثم يغوص في أجواء المعابد الفرعونية عندما تعود لعنة "سخمت" للحياة . - ستبحث عن:
"جراند جينيول" المرادف للرعب المعوي الذي يعتمد على المناظر الشنيعة والأحشاء، "جانجريل"، داء "الهستوبلازما"، معبد "بتاح"، ليلة القديس "جورج"، عقدة جورديان، مجموعة من أسماء العقاقير الطبية. 7. تَنَصُّت:
مقتل عبقري في الفيزياء بطريقة وحشية، كان يقوم بالإنصات إلى أصوات الفضاء لإثبات وجود كائنات فضائية، ثم تتحول الأحداث في منحى آخر يُجَمِّد الدم في العروق. - ستبحث عن: العالم وأديب الخيال "كارل ساجان"، المنطقة 51 ومخلوق "روزويل" ، مؤلف قصص الغرف المغلقة "جون ديكسون كار"، " بولترجايست"، الضوضاء البيضاء. 8. هشام يخفي سرا:
فتاة مغرورة تحاول بمثابرة أن توقع زميلها الشاب الوسيم في شِبَاك حبها، ولكن سرا غامضا مخيفا في عينيه يُحيرها، بالمزامنة مع لغز وقوع حوادث قتل عديدة لكل من يضايقها أو يستفزها أو هكذا تظن، جاءت القصة في خط درامي متصل ومع تصاعد الأحداث يبث مزيدا من الغموض والإثارة نحو معرفة هذا السر. - ستبحث عن: خنفسة "السيكادا"، قصة مارلين مونرو. 9. بعد الجلسة:
أربعة من الأصدقاء يجتمعون في جلسة لتحضير الأرواح، ولسبب ما يعتقدون أنهم لم يصرفوا تلك الروح بطريقة صحيحة، وأن شيئا كارثيا في طريقه إلى كل منهم. - ستبحث عن : السفاح الأمريكي "تيد باندي".

أدب الرعب الذي تميز به الدكتور أحمد خالد توفيق يجعلك تغوص في الحكاية، حتى يصيب التوتر كل حواسك، ستسري القشعريرة في جسدك لو كنت تقرأ في ضوء خافت أقرب إلى الظلام، قد تتخيل مصاصي الدماء الظمأى للدم في مطاردتك، فتتحول إلى شخص مذعور يركض ويصرخ في هيستيريا، نفسك لاهث وانتباهك في تشتت فاقدا التركيز، حتى تفيق وتلتقط أنفاسك على نصيحة د. أحمد خالد توفيق أن (لا تنظر إلى الخلف.. كل من ينظ
ر إلى الخلف أثناء الركض يسقطون وينتهون).

السبت، 11 أغسطس 2018

“حدث في برلين”.. محاولة لكشف الوجه الآخر للضحايا


https://www.e3lam.org/2018/07/28/330284

https://www.facebook.com/notes/hala-moneer-bedair/%D8%AD%D8%AF%D8%AB-%D9%81%D9%8A-%D8%A8%D8%B1%D9%84%D9%8A%D9%86-%D9%85%D8%AD%D8%A7%D9%88%D9%84%D8%A9-%D9%84%D9%83%D8%B4%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%A2%D8%AE%D8%B1-%D9%84%D9%84%D8%B6%D8%AD%D8%A7%D9%8A%D8%A7/10155650882956696/

تأسرني على الدوام الأعمال الدرامية التاريخية، وخاصة ما يتناول منها الحروب والثورات وما يتخللها من مواقف إنسانية، ولكن أن تقرأ عملاً أدبياً يضعك في خضم تلك الأحداث وكأنك كنت معاصراً لها بلحمك ودمك؛ يخفق قلبك مع قلوب أبطاله في أشد الصعاب، وتتنفس الصعداء معهم بوصولهم لِبَر الأمان، وتدمع عيناك لحزنهم وقهرهم، فأنت تقرأ الآن رواية لهشام الخشن، إنها رواية "حدث في برلين"..
تبدأ الرواية بمشهد مزادٍ علني لبيع آلة كمان أثرية أُطلِق عليها "ستراديفاري"، نسبة إلى صانعها الإيطالي "أنطونيو ستراديفاري" أكثر صناع الآلات الموسيقية احترافاً في أوائل القرن الثامن عشر، والتي يصل ثمنها الآن إلى ما يزيد عن خمسة عشر مليون دولار أمريكي، يلعب هذا الكمان دوراً في التقاء مصائر خمس سيدات بعد عقود طويلة، بعدما تفرَّقت وتشتَّت مصائرهن، عقب سقوط الحكم النازي لألمانيا، لتتداخل الأحداث في أزمنة عبر الأجيال في سلسلة من الهروب والخوف من المجهول تمتد على بقاع خمس دول في ثلاث قارات.
تناولت الرواية ثلاثة محاور: - بشاعة الاضطهاد الواقع على يهود أوروبا في ظل حكم الحزب النازي لألمانيا، بداية بتخريب بيوتهم ومحلاتهم، وممارسة ألوان العنصرية ضدهم كإرغامهم على ارتداء نجمة على أذرعهم لتمميزهم عن غير اليهود، ونقلهم رغماً عنهم وحشدهم وعزلهم في "جيتوهات/ أماكن للعزل" حتى وصل الأمر لاعتقالهم وتعذيبهم في معسكرات الاعتقال والإبادة في غرف الإعدام بالغاز، هذا كله ضمن خطة منظمة تدعى "الحل النهائي" للخلاص من اليهود. - اشتعال نشاط صيادي النازيين بتتبع كل من كان متورطاً في قمع وقتل اليهود وتقديمه للمحاكمة بتهم جرائم الحرب، وذلك بعد سقوط "الرايخ الثالث/ ألمانيا العظمى" وانتصار الحلفاء على هتلر. - سقوط برلين وانقسامها إلى شرقية وغربية، وتضاد سياسات حكامها بين شطري المدينة وفظاعة الصراعات بينهما، والتضييق على سكانها من الجانبين. مزج هشام الخشن في روايته بعض الشخصيات والأحداث الحقيقية، "ليلة الكريستال" أو "ليلة الزجاج المكسور" يوم التاسع والعاشر من نوفمبر 1938 (بداية اندلاع الحملة الممنهجة ضد اليهود) ، "أدولف أيخمان" أحد أبرز القادة النازيين ورئيس جهاز البوليس السري "جيستابو" والمسؤول المباشر عن معسكرات اعتقال وإبادة اليهود، وكيف تم تتبعه واختطافه من الأرجنيتن، ومحاكمته وإعدامه في إسرائيل.
خلقت قراءة الرواية بلسان كل بطلة من بطلاتها نوعاً من التعاطف الشديد، فحديث الشخصية بمرارة عن نفسها ومع نفسها أثار الشجن، واستثار مشاعر الشفقة تجاه من قد يكونون جلادين في حقبةٍ ما، إذ ناقش على لسان إحدى بطلاته؛ مدى اعتبار الالتزام بالعمل وانصياع الجندي لأوامر قادته الدمويين مشاركة في الخطأ أو الجريمة، وكيف يدفع الشخص الثمن إذا مال نحو ما يظنه عدلاً.
جاءت لغة السرد بصيغة المتكلم سلسة انسيابية بعيدة عن التكرار والإسهاب، تتضافر الشخصيات فيما بينها في نسيج متقن غير ممل ولا مخل بتواتر الأحداث، قد يجد القارىء بعض الارتباك بسبب تعدد الأصوات والقفز بين أحداث الستينات والثمانينات والتسعينات بصورة غير متعاقبة، ولكن لتلافي ذلك لابد أن يستمر القارىء في تناول صفحات الرواية بانتظام وعلى فترات زمنية قصيرة ومتقاربة، وهذا بالفعل ما تفعله الرواية بقارئها، فأحداث الرواية المثيرة والمشوقة تحمس القارىء للاستمرار حتى نهايتها.
برع الخشن في تجسيد مشاعر الغربة وإنهاك الهروب والمطاردات، وافتقار الأنثى لأنوثتها باستمرار التعقب والاضطهاد والمصير الغامض، بشاعة هجر الأحبة وفقد الأعزاء بالموت، الانكسار بعد البطولات، صراع المشاعر الإنسانية بين أفضلية إكمال مسيرة الحياة حتى لو كانت تخفي كذبة كبيرة، أو اختيار تعرية الحقيقة وكشف المستور!
الرواية التي صدرت حديثاً عن الدار اللبنانية إذا ما قُدِّرَ لها الانتشار ستكون مرجعاً إنسانياً في ثنائية النازيين والهلوكوست، تكشف الوجه الآخر أو فلنقل الوجه الخفي لمن قد يحمل وسم "النازي"، ولمن يدَّعي بحق أوبدون وجه حق أنه ضحية من ضحاياه، وكيف أن كل طرف قد يكون ضحية للآخر في حقبة مختلفة من الزمن، "ضحايا تتحين فرصة أن يصبحوا جلادين" ولكن "البشرية فيما يبدو ترفض حفظ الدروس" .. عبارات راقتني: "البشرية معذبة بزعمائها وشطحاتهم؛ يَجْرُون بالشعوب يميناً أو يساراً، أو ينزلقون بهم لدروك سفلى لتحقيق ذاتياتهم، ولإشباع عواطف شبوا عليها حباً أو كرهاً".. "أظن أن ما يقومون به من جنون ليس إلا مناورة سياسية جديدة..ورقة تفاوض سيحصلون بها على مكاسب ثم تعود الأمور لما كانت عليه.. هذا ما يحترفه الساسة: يبدأون أفعالاً يعرف الجميع أنها ضرب من الجنون، ثم ما يلبثون أن يعودوا عنها بعد لمِّ غلة انتصارهم".. "سيؤرقنا الأنين بعض الوقت ثم سيخفت سريعاً حين تحيل ذاكرتنا أولئك الضحايا لأرقام مسلسلة في مدونة الزمن".. "التاريخ صناعة حكائه"..

كتاب المواصلات.. لكاتب يعيش داخل “فايل وورد”!

بالرغم أن الهدف الأساسي لكتاب المواصلات (الذي صدر حديثاً لعمر طاهر عن دار الكرمة للنشر) هو مشاركة القارىء طريقه في وسائل المواصلات ومنحه الونس والتسلية، إلَّا أن كتاباً لصانع النوستالجيا الأول يستلزم توفير مناخ معين للقراءة، جو هادىء، ضوء خافت، موسيقى رائقة، وعزلة تامة عن أي مؤثر خارجي يعطل رحلة الإبحار أو الطيران بآلة الزمن التي صنعها طاهر.. جاء الإهداء في بداية الكتاب فريداً من نوعه، فقد قدَّمه لرفقائه في المواصلات من الكتب وأصوات المطربين والشيوخ، فجاء الاختيار ذكياً بأن كانت أولى حكاياته عن الثمانينات، وهي الساحة التي يجيد فيها طاهر الكتابة، كما فعل في رائعته "إذاعة الأغاني".. فسر لي عمر طاهر لماذا لاأزال أحفظ حتى الآن مفردات الكوبليه الأول من معظم الأغاني، فالذاكرة البصرية تلعب دوراً في ذلك، كما حدث في أغنية "غريب الدار" التي عرفت اسمها منه، فجاء استدعاؤه للأغنية من ذاكرته كما أستدعيها أنا تماماً كل مرة، كلمات دافئة حانية، وصوت هادىء، وملابس الراقصات التي توحي بأنهن خرجن من عمل تاريخي، بأقمشة حريرية ملونة ورقص عثماني أو أندلسي لا أدري، وعبارة "يالالالا لالي" .. يستدعي الموقف بذاكرة الزمان والمكان، بذكرى سمعية وبصرية، عمر طاهر لا يحكي حكاياته الشخصية وإنما يحكي حكايات جيل بأكمله، تَشَارك نفس الواقع ونفس الأحلام، يسمع أولى كلمات الأغنية فسرعان ما تعطيه ومضة ليقص أجمل قصصه، تمضي أمامه ملاحظة عابرة فلا يتركها ترحل إلا وقد نسج حكاية بديعة، حكايته الشخصية التي قد لا تزيد مدتها عن ثلاث دقائق يستطيع أن يسردها عليك كرواية تمتد لسنين من خلال حيوات أبطال وفناين رحلوا، يصطاد اللحظة ليكتب عنها مقال، ولا يشارك ذكرياته مع الآخرين وإنما يدّخرها لتخرج لنا في تحفة أدبية جديدة.. فقط لي ملاحظتان: - شغل الكتاب عشر حكايات كانت الخلفية الغنائية فيها بطلة، كنت أتمنى أن يدخرها طاهر لتكون قواماً لجزءٍ ثانٍ من كتاب "إذاعة الأغاني"، فأذن عمر طاهر الموسيقية وحسه الأدبي المرهف، يستطيع أن يصنع نسخة بديعة جديدة من فن النوستالجيا.. - أمَّا هذه الملاحظة قد يقرّها البعض أو لا، فمسألة نشر القصص أو المقالات سواء على صفحات الجرائد أو المواقع الإلكترونية أو حتى كمنشورات على الحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم تجميعها في كتاب لاحقاً؛ قد لا يلقى إعجاب كثير من القراء..
بعض مما في كتاب المواصلات: - "ع المدينة" : مصائب قوم عند قوم فوائد.. - "شعر أبيض" : الشعر الأبيض الذي يغزو رأس الإنسان ليذكره بعمره فيما أفناه، كمراقب لجنة الامتحان الذي ينذر بالباقي من الوقت.. - "بين قوسين" : ثنائية الإنسانية والاحترافية (الفنان محمد فوزي، والكابتن محمد لطيف).. - "خليكوا شاهدين" : التكريم ليس منحاً للجوائز والشهادات، وإنما ميراث يبقى في الوجدان بعد رحيل صاحبه.. - "غنوة" : تفاصيل الحياة اليومية التي أنجبت غنوة مثل "زي الهوا" .. - "مروا أسفل شرفتي" : يشرح لنا طاهر كيف أن الأبوة "مشروع" على غرار الأمومة "غريزة".. - "كل الناس بيقولوا يارب" : يصحح نظرية أن الشعب المصري (متدين) بطبعه، إلى أن الشعب (مؤمن) بطبعه، معدداً المعجزات التي يؤمن بها.. - "عماد وعمر" : ثنائية الأفراح والأحزان (عماد عبد الحليم، وعمر فتحي).. - "ما بين نسختين من جمعة الشوان" : كيف ترى كل من عين الطفل وعين الصحفي كل من النسختين .. - "ثناء وسناء" : ثنائية الأمومة (في الوالدة وفي رئيسة العمل).. - "الحكيم والدليل والرجل الطيب" : كيف لعب القدر دوره في وضع خريج كلية التجارة على طريق الصحافة.. - "مهما الأيام تعمل فينا" : قانون النسبية الذي يحكم كل مناحي حياتنا.. - "ماتفوتنيش أنا وحدي" : عن الضمير وحفنة من الحِكَم.. - "سألت نفسي كثير" : ملاحظات عديدة ومفارقات أكثر.. - "قبل النوم ب20 دقيقة" : يشاركنا الثلاثة مراحل التي يمر بها قبل نومه؛ (الخيال والواقع والتأنيب).. - "تسريبات مكالمات صديقي السرية" : سأتركها للقارىء ليكتشف بنفسه كارثية تسريب مكالماتنا كلنا!.. باختصار عمر طاهر يستطيع من مشهد سقوط "القداحة/ الولاعة" أن يقدم لنا جرعة مكثفة من الأقوال الأجنبية المأثورة، إذا انقطعت عليه الكهرباء في الأسانسير لمدة عشر دقائق؛ فسيرصد لك عشرات من فترات "الانتظار" الأخرى، سيحدثنا عن سُنَّة الحياة من خلال قصة كلب في الشارع، وإذا دخل السينما لمشاهدة فيلم رعب سيؤرقنا برعب أن نعيش حياتنا في نفس المشهد، وإذا وقف في المطبخ ليعد فنجان قهوة فاعلم أنك ستدخل معه في دوامة متصلة من الأفكار والأمنيات والهواجس والأحلام والمسلَّمات واكتشافاته الخاصة.. اقتباسات": (يخاف الواحد أن يكبر لأسباب كثيرة، في مقدمتها شعوره أنه لم يفعل ما يريده بالضبط، ولكن تورط في أشياء كثيرة تشبهه، ينتظر اللحظة التي ستكون فيها السعادة خرافية، ويود أن تأتيه مبكراً بحيث يكون متاحاً له أن يفرح بها بجنون يليق بسن صغيرة).. (الانتظار قد يُهْلِك الواحد إذا تجول فيه بـ "الضجر"، وقد يكون هدهدة رائقة، وشرطها الوحيد أمل فيما ننتظر)..