الجمعة، 31 أغسطس 2018

"في حضرة نجيب محفوظ" .. شكرا محمد سلماوي




هل تعرف الأديب الكبير نجيب محفوظ حق المعرفة؟.. ربما نعم، أمَّا إن كانت إجابتك متشككة فإني أدعوك لقراءة كتاب "في حضرة نجيب محفوظ" للكاتب محمد سلماوي، والصادر عن الدار المصرية اللبنانية في 2012.
ربما قرأت الكثير من أعمال محفوظ الروائية، أو شاهدتها سينمائيا، ولكنَّك لم تكن لتعلم عن محفوظ الإنسان المتسامح البسيط المتواضع إلَّا من أكثر الناس قربا له، ومن هؤلاء "سلماوي" الذي ظل في حضرة محفوظ على مدار اثنى عشرة عاما، يذهب إليه في بيته أيام السبت من كل أسبوع ليسجل معه الحوار الأسبوعي، حتى وصل مجموع هذه التسجيلات لما يزيد عن خمسمائة ساعة، يأتي إليه بالأصدقاء وكبار الشخصيات، ويُمثله في المحافل الدولية ويُلقي الكلمة نيابة عنه.
من خلال أربعمائة صفحة مقسمة إلى أربع أبواب يبهرنا سلماوي بمئات من المواقف والتصريحات والتعليقات من الأديب الذي رفع هامة الأدب العربي عالميا بحصوله على نوبل في الأدب عام 1988، والذي تسلمها سلماوي بنفسه نيابة عنه من الأكاديمية السويدية.

الباب الأول بعنوان "لقاءات معه" حوى العديد من لقاءات محفوظ  بكبار الكتاب العالميين، والشخصيات الدبلوماسية وأصحاب الفكر والقلم، والأصدقاء، أثناء زيارتهم محفوظ في بيته، وملخص الأحاديث الهامة والودية والطريفة التي دارت بينهم وبين محفوظ في بيته، إذ كانت أغلب هذه اللقاءات تشغل أيام السبت في منزل محفوظ لعدم قدرته الصحية على الخروج، مهما بلغت أهمية سبب وصاحب الزيارة، لازدحام جدول محفوظ وتوزيعه بدقة لأيام الأسبوع بين الأسرة والأصدقاء والمريدين، حتى أنه تقلَّد أسمى الأوسمة داخل حجرات بيته.

أما الباب الثاني فكان بعنوان "مقالات عنه"، وهو ما كتبها الأستاذ محمد سلماوي على مدار ما يزيد عن عقدين من الزمان في أكثر من مناسبة، ما نُشِر منها وما لم يُنشر، وتتعرَّض تلك المقالات لحياة محفوظ، فيجد القارىء نفسه في معية محفوظ يتعرَّف عليه أو يعرفه كأنه صديق أو قريب، يلمس فيه كل معاني الإنسانية ويفتقد رحيله.

أما الباب الثالث فهو بعنوان "كلمات له" وفيه مجموعة من كلمات محفوظ نفسه وحكاياته في مواقف مختلفة، كما يضم كلماته الافتتاحية أو الرئيسية في عدد من المحافل الدولية.

أما الباب الرابع فبعنوان "صور له" يضم عددا من صور الأديب الراحل نجيب محفوظ، التقطت في العديد من المناسبات التي ذكرها سلماوي وغيرها مما لم ترد بالكتاب.

من كتاب "في حضرة نجيب محفوظ" تستطيع أن تعرف كيف أحب محفوظ الموت كما أحب الحياة، نظام حياته الصارم التنظيم الهادئ الأحداث، قصة قلمه الأسود الشيفر الذي عاد إليه بعد وفاته، الرد على كل حاقد ومغالط في أسباب حصوله على جائزة نوبل، تقديسه للقضية الفلسطينية، عدم مهادنته لأي سلطة، قوته وصموده في وجه الاغتيال المادي والمعنوي، احتفاء الغرب بذكرى ميلاده مقابل إهمال وتجاهل جهاز الإعلام في بلده، كيف يكتب وماذا يصنع بمسودات الكتابة، مكانة الرواية الفرعونية في أدبه، ومتى توجَّه إلى الرواية الواقعية، تواضعه واستهانته بالنقود، كيف يحفظ أحلامه حتى يأتي وقت إملائها لعجز يمناه عن الكتابة، كيف ومتى اكتملت الموهبة الأدبية لديه.

مع الكتاب ستبتسم لدعابات محفوظ، وسيرق قلبك لتسامحه وزهده، وستأخذ درسا في فلسفته، وسيدفعك دفعا لاقتناء وقراءة كل إبداعاته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق