الخميس، 18 سبتمبر 2014

"هايلايت" الرئيس السيسي

(1) في مشهد لوزير الداخلية ” اللواء فاروق ” في مسلسل صاحب السعادة وهو يتصفح الملف الإعلامي الذي قدَّمه له مساعده، تحوي صفحات الملف العديد من قصاصات الجرائد بأهم الأخبار، والذي قام المعدِّون فيه بعمل ” هايلايت ” بالألوان الفسفورية المختلفة لتحديد عناوين تلك الأخبار بحسب أهميتها وخطورتها، فاللون “البمبه” الفسفوري خصَّصُوه لتحديد الأخبار الهامة العاجلة التي يجب على الوزير قراءتها واتخاذ قراراً بشأنها، والأخضر للإطلاع والعلم فقط، والأصفر للأخبار التي يجوز له تجاوزها وعدم شغل باله بها .. يدفعني هذا المشهد إلى التساؤل الآن عن كيفية اطِّلاع الرئيس عبد الفتاح السيسي على أخبار المواطنين وخاصة الغلابة منهم، والتي في أغلب الأحوال لا تصل مشاكلهم للمسئولين إلا بعد خراب مالطا، المواطنون الغلابة الذين ليس لهم واسطة أو يُعَدُّون أحد نجوم المجتمع ..
(2) يبدو أن أحداً ممن يقدم التقارير الإعلامية للسيد الرئيس قد قام بعمل “هايلايت – بمبه فسفوري” على خبر الوعكة الصحية التي أصابت السيدة (لميس جابر – أحد أهم أعداء ثورة يناير، وأحد أهم أذرع الدفع بالسيسي مرشحاً ومنتخباً للرئاسة)، فأرسل الرئيس السيسي أطباء الرئاسة للإطمئنان على صحتها، وعَرْضٌ بعلاجها على نفقة الدولة، كما صرَّح بذلك زوجها الفنان يحيى الفخراني لجريدة الوطن، فرد الفخراني على العرض السخي مازحاً : ( وهي الدولة عندها فلوس ؟!! ) شاكراً الرئيس السيسي على الاهتمام ..
(3) أعود وأسأل من جديد من أوصل السيسي خبر مرض لميس جابر؟!! ولماذا لم يُلَوِّن هذا الشخص باللون “البمبه” أيضاً خبر وفاة السيدة وفاء ؟!! والتي عانت من سرطان في ثدي تم استئصاله، ثم زحف الورم على المخ لتتلقى جلسات إشعاع لمدة تقارب الأسبوعين، ثم إصابتها بعد ذلك بحمى انتهت بها بإصابتها بمتلازمة ” ستيفن جونسون “، والتي أودت بحياتها جرَّاء الإهمال الصحي التي لاقته من أكثر من مستشفى ظل الزوج يسعى بزوجته على أعتابها لستة عشر ساعة كاملة، دون منقذ أو مسعف أو طبيب يجدون في قلبه آثاراً من رحمة، فظلت لأيام يسقط جلد جسمها كله في مشهد تتشقق له الحجارة وتنهارله الجبال ويصبر أمامه زوجها وأطفالها، يبدو أن لا أحد يُلَوِّن الأخبار الخطيرة الخاصة بالغلابة للسيد الرئيس، ولا يمتلك السيسي موبايل به واي فاي ليتصفح بنفسه مواقع الأخبار ليرى فيديو لطفلي تلك المرحومة وهم يتلقيان نبأ وفاة والدتهم على الهواء مباشرة على أحد الفضائيات، فيصك الطفل الأكبر (12 سنة) وجهه من هول ما أصابه عند سماع خبر مفارقة والدته الحياة، وتنهار الإبنة من البكاء والنحيب، ولم يُحقِّق بنفسه أو يرسل أطباء الرئاسة كما فعل مع لميس جابر ليستوضح لِمَ يدفع الزوج ثلاث آلاف جنيه في مستشفى حكومي تموت فيه الزوجة من الإهمال الطبي المتعمد، لا يعلم السيسي كم من محظوظ استطاع أن يصل بشكواه للإعلام فيما أصابه من كوارث مرض أو خطف أو سرقة بعد نهاية المطاف وبعد أن وقعت الفاس في الراس ، لا يعلم السيسي أن أجهزة الدولة ببساطة تتخاذل عن القيام بواجبها على الوجه الأكمل والأمثل وبالذات في قطاع الصحة !
(4) بمناسبة أجهزة الدولة، وفي تصريح لوزير الداخلية يفيد فيه بتصفية سبعة من إرهابيي بيت المقدس، والمسئولين عن مذبحة الفرافرة، وإسقاط خلية التفجيرات والاغتيالات الكبرى في مديريتي أمن القاهرة والدقهليةُ، ثم في اليوم التالي الثلاثاء 16سبتمبر يتم تفجير مدرعة تمشيط على طريق رفح العريش ، فيذهب ضحيتها ضابط و5مجندين في نفس مكان تفجير مدرعة سابقة تم تفجيرها قبل ال14 يوم الماضية، والتي سقط فيها 11 شهيداً (ضابط و10 مجندين) في نفس المكان وبنفس طريقة التنفيذ، لا أدري بأي لون سيلَوِّن الملونون هذا الخبر؟!! ولا أدري بأي لون يتلَوَّن دم وزير داخلية مازال يتقلد منصبه حتى الآن بعد كل تلك الكوارث اليومية ؟!!
(5) لم يُلَوِّن أحد للرئيس السيسي خبر تأخر معدات الإنقاذ لانتشال عمال مصنع العبور الذي انهار بطوابقه الأربعة فوق رؤوس من فيه ، فبقي الضحايا محتجزين تحت أنقاضه لأكثر من 17 ساعة، ليستعين الأهالي بمعدات المقاولين في النهاية ، ليخرج المحتجزون جثة وراء جثة بعدما كان عددٌ منهم أحياء يردون على ذويهم بالأنات، لم يُلَوِّن أحد للسيسي خبر اعتراض أطباء إسرائيليين على وحشية نتينياهو في حربه على غزة في وقت يُلقي الإسعاف بجسد مُسن مريض يعاني آثار عملية في ساقه لأنه لا يحمل ما يثبت شخصيته، لا أحد يُلَوِّن أنباء وفيات محتجزين في أقسام الشرطة كل يوم والتي تأتي تحت مسمى ” الوفاة الطبيعية” ، لم يُلوِّن أحد للسيسي خبر غرق مصريين ضمن 500مهاجر على يد مهربين في سواحل مالطا، لا أحد يُلَوِّن خبر وفضيحة تصميم طابع البريد التذكاري لقناة السويس الجديدة والذي حمل صورة قناة بنما .. يذكرني موضوع التلوين هذا بأحد من عملوا بالقرب من المخلوع مبارك والذي كان يعد له التقارير والملخصات والذي أفاد بأنه ذات مرة قدَّم للرئيس المخلوع تقريراً مكون من 7صفحات، فيلقيه مبارك في وجهه قائلاً : ( إنت جايبلي دفتر أقراه ؟! اختصر عن كده كمان ! ) لعلَّ السيسي لا يحب الاختصارات أو لا يقتنع بالألوان الفسفورية ، ولكن من الضروري حينئذٍ أن يقع محل اهتمامه وتفاعله أخبار ترقى للتوسط والتدخل كما فعل في الصلح بين مرتضى منصور وأحمد شوبير والتقاط صورة للذكرى !
(6) حكت لي مرة إحداهن عن كارثة حريق شب في عمارة تقع شقتها فيها، وعندما وصل الدفاع المدني أمر بإخلاء المبنى من السكان، فهرعت السيدة لجمع كل مالديها من نقود وذهب، ثم استقبل سكان المبنى المقابل كل سكان المبنى المحترق ولما وقفت في شباك الشقة التي لجأت لها لتشاهد عملية الإطفاء في عمارتها بدأت بالصراخ في حالة هستيرية لأنها اكتشفت أنها نسيت أولادها نياماً في الشقة!!!
أيوا والله زمبئولك كده !!
يُطبل ويزمِّر الناس فرحاً بجمع 60مليار جنيه في شهادات استثمار قناة السويس ، مع إن 90% منها ودائع مصرفية و10% فقط هي تحويشة عمر المواطنين الوطنيين فقط والذين يحبون مصر دوناً عن غيرهم من الخونة ممن لم يتبرَّع والتي وكما صرح أحد المسئولين أن جزءا كبيرا منها سيستخدم لتمويل عجز الموازنة، طاروا بالمليارات ويعنِّفون كل من يتساءل عن جدوى مشروع طويل الأجل لن ينقذ المواطن الغلبان في القريب العاجل مما يعاني منه في كل مناحي حياته، يغضبون ممن يسأل عن فائدة أن يكون أولادي جوعى مرضى عرايا، وبدلاً من أن أقوم ببناء كشك يؤمن لهم لقمة وهدمة وحبة دواء خلال ساعات أو أيام قليلة، أجمع تحويشة عمرهم لأفتح بها مول تجاري، فنُتَّهم باصطياد السلبيات ممن يرى أن الأمن عاد بنسبة كبيرة طالما أن أحداً من عائلته لم يُختطف بعد ، لا حق لنا أن نسأل عن منظومة الأمن الواهية التي من جرائها يتم استشهاد ستة وسبعة وعشرة شهداء في مدرعة في رفح أو الشيخ زويد كل أسبوع، لا حق لنا أن ننتقد الأوضاع الأمنية الفاشلة التي نتاجها أطفال مخطوفة ومفقودة ومغتصبة كل يوم ، لا حق لنا أن نتساءل لِمَ يموت الناس في المستشفيات بدم بارد ويُلقون على أعتابها فوق أكوام القمامة، لا يحق لنا أن نتساءل عن شباب مهروسين تحت أنقاض مصانع، وعشرات مفرومين في حوادث طرق، ومسوخ تهذي كل ليلة في الفضائيات على الحياة البمبه الفسفوري اللي بدأت تهل علينا ..!!

السبت، 13 سبتمبر 2014

عن فن استحضار الأرواح

http://almogaz.com/news/opinion/2014/09/16/1650719
http://yanair.net/archives/83259
https://www.facebook.com/notes/hala-moneer-bedeer/%D8%B9%D9%86-%D9%81%D9%86-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D9%88%D8%A7%D8%AD/10152486935681696

عن الفترة التي سيبدأ فيها الجميع بتوزيع الميراث .. لا أتحدث هنا عن العقارات وحسابات البنوك وشكمجية المجوهرات، أو حتى النقود المخبأة تحت البلاط، أتحدث عن نظارة القراءة وساعة اليد وبالطو شتوي قديم، عن قلادة وقرط من الفضة وعن خاتم الزواج ..
سأقفز سريعاً فوق لحظات استقبال نبأ الموت الذي ينزل كالصاعقة على ذوي الميت، فأنت الآن صلب تحضر مراسم العزاء، أو قد تسقط أرضاً من صدمتك حين رأيت اسم الوالد محفوراً على شاهد القبر، ولكنك في كل الأحوال أفضل حالاً ممن يتلقَّى الخبر وهو على بُعد آلاف الكيلومترات، فيصل لتوديع الفقيد بعد أن لقَّنه آخرون الشهادة وأغمضوا عينيه ..أنت الآن على بعد أشهرٍ من الفقد .. أو ربما على مسافة سنواتٍ من الفراق .. عشت الفترة الماضية كلها تتلقى المواساة بداية من تلقي العزاء في الأيام الأولى، وحتى تعداد مآثر المرحوم أو المرحومة كلما حانت مناسبة في جلسة عائلية، أو بينك وبين نفسك حين يمر طيفه ببالك ..
تتذكر الأعزاء الذين فارقوا الدنيا بين حينٍ وآخر، تتذكرهم في المرة الواحدة مدة لا تطول عن مقدار الدقائق التي تستغرقها في قراءة سورة يس أمام قبر واحدٍ منهم، تلك الدقائق التي تستعين فيها بالقرآن لتنزل عليك السكينة، ولكن آلام الفراق تأبى أن تتركك تنعم بذلك الثبات، تغتال مشاعرك تلك الأيام الأخيرة الذي صارع والدك فيها المرض، ينهال عليك حنان وعطف مفقود مع جديك الفقيدين، يقتنصك مشهد والدتك أو زوجتك وهي تودعك أثناء سفرك عندما لم يتنامى إلى ذهنك حينها أنها هي التي تودعك قبل مماتها ..

أحتاج إلى هذا الحزن .. بل أبحث عن أي شيء يجدده أو يأسرني إلى كل التفاصيل القديمة لتجعل من هذا الماضي حاضراً مجسماً، أغنية لأم كلثوم كان الوالد يعشقها فأنتحب على فراقه مع كل كلمة .. لقب قلدَّني أياه جدي فأحمله وأردده بكل فخر.. تَعَمُّد تناول وجبة معينة كانت جدتي تعِدَّها لي فأستحضر بها روحي مع مذاق ورائحة ذلك الطعام .. نعم أنبش كل الذكريات لعلي أغوص في هذا الشجن أو إلى الغرق فيه أحياناً .. أذوب في صورة وهم يحملونني بين أذرعهم، أتحسس قصاصة ورق تحفظ خط أيديهم، أقدس مقتنياتهم بنفس طريقة ترتيبهم إياها، أتندم على نصيحة منهم لم أكترث لها، ثم أبادلهم صلة رحمهم ، وود أصحابهم، وزيارة قبورهم ولو مرة كل عام ..
حتى اكتشفت طريقة لجرعة مُركزةٍ من استحضار أرواح من فقدناهم، والتي لا أنصح بها ذوي القلوب الضعيفة، ليس استحضاراً بالمعنى المفهوم لجلسات تحضير الأرواح وتسخير الجان وتنويم الوسيط مغناطيسياً، وإنما بشيء أسهل وأكثر أمناً، أن تستمع لتسجيلات صوتية بالطريقة التقليدية !! نعم .. شريط الكاسيت .. له سحر خاص ربما يكون عندي أجدى من أن أشاهدهم صوت وصورة على شريط فيديو، ربما لأن التركيز من خلال الاستماع للصوت يجعلك تستجمع كل حواسك في حاسةٍ واحدة، لا توجد صورة متحركة في فيديو فتسرح عينيك في ملامحهم التي بدأت بالشحوب في مخيلتك، نعم صوتهم فقط .. النبرة ودرجة علو الصوت .. دفئه وقت النصيحة .. وحرارته للتعبير عن الشوق .. وتوسله عند التوصية بالاهتمام بالنفس، تجلس وكأن على رأسك الطير، تنظر إلى شيء غير موجود في الفراغ، تستلهم أحلى الأيام ، وتطرد من ذاكرتك سيئها، تستحضر روحهم بحق، تستشعر وكأنهم عادوا من جديد ، دون جان أو وسيط منوَّم كما في أفلام السينما، هم الآن بجوارك، ربما سيجذبك أحدهم إلى حضنه الآن، ربما ستجد نفسك بعد قليل وبالكاد قد لامست قدماك الأرض إذا ما سمعت صوتك وأنت صغير بجانب أصواتهم في التسجيل، تتمنى أن تُسخط طفلاً من جديد، فتجري وراءك أمك بطعامٍ لم تحبه، ويمنع عنك أبوك المصروف ..
كلنا بالفعل يمارس اجترار الأحزان، استرجاع لحظات مُرَّة من الماضي .. لا أدري إذا ما كانت هذه حالة صحية ووضع سوي أو بشائر مرض نفسي ؟! تردَّدَ مؤخراً الحديث عن حالة تُدعى " نوستالجيا " انحصر المشتركون فيها باستعادة أحلى ذكريات الطفولة بما اقترن فيها من لهو ولعب وأغاني ومسلسلات ومواقف ونوادر وغيره، ولكني لا أعلم إذا ما كان تذكر لحظات موت الأعزاء والحنين في كل وقت لأصواتهم والافتقار لأحضانهم والرتب بكفوفهم على أكتافنا يندرج تحت مسمى ال"نوستالجيا" ؟! ..

أحياناً نحتاج إلى أن نستدعي أرواح من فقدناهم، بأرواحنا وفي عقولنا، ربما هرباً من حاضرٍ نحياه، أو من تَمَنٍّ زائفٍ لوجودهم معنى في حياة صعبة حتى نهاية أعمارنا، أو سأمنا من مسئولياتٍ تقلَدناها في ظروفٍ غير مواتية ، ولكن المؤكد هو تخيلنا حين فقدناهم أننا سنحزن عليهم طول العمر وطيلة الوقت، ولكن ذلك التخيل انتهي بالنسيان، وتسخير الله كل ما حولنا ليدفعنا للتناسي، سنأكل ونشرب بعدما حدثتنا أنفسنا أن كيف العيش بدونهم، وسننفجر ضحكاً بعدما قررنا التوشح بالسواد طالمنا حيينا من بعدهم، وسرعان ما سنجد أنفسنا وسط حفلات أعياد الميلاد والزواج نتمايل ونرقص فرحاً .. تلك هي الحياة .. حاضر يحيا فيه ماضٍ لم ولن يمت أبداً ..

الاثنين، 1 سبتمبر 2014

كيف تكتشف أنَّك داعشيٌ ؟!

http://yanair.net/archives/80397

http://almogaz.com/news/opinion/2014/09/02/1628817
https://www.facebook.com/notes/hala-moneer-bedeer/%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%AA%D9%83%D8%AA%D8%B4%D9%81-%D8%A3%D9%86%D9%91%D9%8E%D9%83-%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4%D9%8A%D9%8C-/10152475307231696


سعيد أنَّ ابنك لم ينضم لصفوف داعش حتى الآن ؟.. مطمئنة أن زوجك حليق الذقن ولم يستل سيفاً بعد ؟! مُرتاحون أن سفر الرجال لأفغانستان عهدٌ ولَّى؟! منشرحون أن داعش لازالت خارج الحدود المصرية بالرغم أن أنصار بيت المقدس قطعوا ستة رقاب حتى الآن في سيناء ؟! لا تنشرحوا كل هذا الإنشراح لأن الكارثة لم تعد الانتماء لصفوف القاعدة أو تنظيم داعش، وإنما الكارثي أن جزءاً لا يُستهان به من الشعب المصري قد أصبح داعشي الخلق والفكر بجدارة..

كي تكون داعشياً أصيلاً لست بحاجة إلى زيٍ أسود أو إطلاق اللحية كمغولي هارب من فيلم تارخي، أو أن تقطع الرؤوس وتسندها على جثامين أصحابها تحت راية لا إله إلا الله ، ابحث عن طريقة تفاعلك مع الأحداث الأخيرة وما كانت ردود أفعالك صوبها وستكتشف إذا ما كنت مشروع داعشي جديد، أو أن نواة الداعشي الأصيل بدأت فعلاً في الإنبات من أخمص قدميك ..

- جثة مضرجة بالدماء في مستشفى الخانكة لم تُحرك بديهيات حرمة الموت عند أميني شرطة ومخبر، لم يهمس ملاك أو شيطان في آذانهم بكلمات من قبيل ( إكرام الميت دفنه ) ليحترموا الجثة على غرار ما فعلوا ، مشهد القتيل المفجع المفزع لم يُوَلِّد لديهم أي من الأعراض الإنسانية التي تنتاب البشر حين يرون مشهداً مروعاً بهذا القدر، لم يصبهم مغصاً أو دواراً أو غثياناً ، لم تردعهم حتى فكرة خيالية أن يقوم الميت من موته ، أو أن تتلبسهم روحه لو كانت شريرة ، لم يردعهم واقع أو خيال أن يصوروا الجثمان عارٍ مفتوح العينين بل والسخرية من صاحبه بوضع سيجارة مشتعلة في فمه !! والآن ماذا كان رأيك في الخبر؟! تقمصت دور المدافع عن الداخلية وأفتيت بأن القتيل مجرم أو مسجل خطر بدأ هو التعدي على أفراد الأمن فتلقى رصاصة أردته قتيلاً وبالتالي فإنه يستاهل ما جرى له ؟! تناسيت تواتر أخبار وفاة محبوسين في الأقسام في مدى زمني قصير ولا أخبار عن التحقيق في وفاتهم وتحديد المتسبب فيها ؟ لم تسأل نفسك لِمَ الضجة هذه المرة بالرغم من أن فيديو التمثيل بالجثة من شهر يوليو الماضي وأن لا واقعة يصل التحقيق فيها بجدية أو هكذا يبدو إلا ولها شريط مسجل وكأن التمثيل بالجثث والتشهير بصورهم هو الضامن الوحيد للتحقيق في واقعة القتل ؟!! 

- التعليقات على صورة علاء عبد الفتاح في جنازة أبيه تدل على أن الغزو الفضائي في أفلام الخيال العلمي بدأ بالفعل على الشعب المصري ، كائنات من كواكب ومجرات مجاورة بدأت في شفط عقول الناس والتباس أجسامهم ، خبر الوفاة لا يردع البشر عن الشماتة في مسجون منزوع الحرية فقد أباه ، لم تُنَحِّ اتفاقك الفكري مع علاء عبد الفتاح جانباً في ظرف الموت، اعترف أمام نفسك .. في سرك .. أنت تمتلك داعشياً صغير، منعك حتى أن تترحم على أحمد سيف الإسلام لإنجابه هذا المارق العميل المخرب ، الخبر الجميل أن هذا هو ألطف رد فعل ، فداعشيون آخرون شمتوا في الأب وابنه بطريقة أتمنى أن أقابل داعشياً يحمل جواز سفر داعشي لأرى إذا كان قلبه أسود بهذا القدر ..

- انتفضت لخبر مذبحة قطط نادي الجزيرة، وشتمت المسئولين، وسببت الفاعلين، وصببت لعناتك على المتهمين، ودعوت مع الداعين لوقفة بلافتات للشجب والتنديد ؟!! جميل جداً الرفق بالحيوان وأن تسخن الدماء في العروق للقتل بهذه الوحشية، ولتسأل نفسك الآن : هل ثرت بكل تلك الآدمية لما حدث في مذبحة رابعة ؟! هل تمالكت لسانك في مذبحة القطط ولم تقل عبارات رددتها بكل أريحية في وقائع سابقة مثل ( إيه اللي وداهم هناك، والبت اللي لابسة عباية كباسين، والطابور الخامس والخلايا النائمة)؟!! هل حَرَّك فيك التعدي على عالم الحيوان مشاعر إنسانية وأدتها فيما قبل بكامل إرادتك في أوقات كانت أدعى أن تثبت فيها أنك من بني البشر ؟!

- اغتصاب أمين شرطة في إمبابة لفتاة معاقة ذهنياً بعد تعرضها للاغتصاب من أبيها ثم من سائق توكتوك وزميله، ماذا قلت في نفسك ؟! إنها الممارسات الفردية التي لا يجوز أن نجرِّم الداخلية من أجلها ، ثم يعبث الداعشي الصغير الذي يسكن عقلك بأنه لا يجب أن نختزل مجهودات الداخلية وتضحياتها في أحداث فردية ..

- بعد استمرار العدوان الصهيوني الإسرائيلي على قطاع غزة لما يقارب الخمسين يوماً أو يزيد ، والتي خلفت أكثر من 2100 شهيد فلسطيني، هل كنت من الناس التي نددت بالصمت العربي تجاه ما فعله داعش بمسيحيي العراق وشيعتها وأكرادها الأيزيديين ثم باركت الصمت العربي في حق غزة، بل والأدهى صفقت لسحق المقاومة الفلسطينية على أيدي الصهاينة، لأن المقاومة ترفع راية حماس وجماعة الإخوان المسلمين أعدائك الجدد؟!

- لا يجب أن نخشى ذوي الفكر التكفيري والجهادي وأنصار بيت المقدس وأفراد داعش ، إنما الخشية وكل الخوف ممن يحلل إهدار كرامة الإنسان حياً وميتاً، وإهدار حقوق المسجونين حتى لو كانوا مذنبين ، وتخوين الحقوقيين والنشطاء 
وشيطنتهم ، وتمجيد المتلونين والمتملقين والمنافقين وحملهم على الأعناق ..  
لقد سرى الدم الداعشي في عروق عدد ضخم من المواطنين خلال الثلاثين عاماً السابقة، جراء البؤس والفقر والمرض والجهل والاضطهاد والتهميش، أي قبل ظهور تنظيم داعش بثلاثين سنة، مما يثبت أن مصر سبَّاقة على الدوام، الأطباء النفسيون وحدهم هم من يستطيعون تحديد إذا ما كانت ردود الأفعال تلك ناجمة عن أمراض عقلية أو نفسية، هذا إذا لم يكن هذا الانحطاط الأخلاقي المتفشي المنتشر ناجم عن عدوى فيروسية مجهولة المصدر قد أصابت أعداد لا بأس بها من الشعب المصري .. 
( إنت بتشتمي الشعب المصري وتتهميه بالجنون ؟! ) سؤال أو استنكار من تنقح عليهم الوطنية أني أذكر الشعب المصري بسوء، لابد وأن نعترف جميعاً أن شيئاً شاذاً أصاب الكثير الكثير، المصري ليس داعشي الفكر والخلق، ليس مسخاً يشمت في الموت والحبس، ليس ساديَا وشاذاً منحرف السلوك، المصري يطعم كلب وقطة الشارع من أكله ، ويترحم على الميت ويرد من يحاول ذكر مساوئه، ويمسك يد العجوز ليمر به على جانبي الطريق، ليس داعشيَّا يبتر الأيدي ويُطيِّر الرؤوس ..