ذنبهما أنهما من مصر .. !!
محطتي الأولى مع زينة التي فجعَ القضاءُ مصرَ كلها بإصدار حكم ( خمسة عشر
عاماً فقط ) على المجرمَيْن القاتلَيْن للطفلة البريئة ، القاضي نفسه قدَّم الإعتذار
بعدم إصدار حكم بالإعدام ، لماذا ؟! لأن الرأي العام كان ينتظر هذه الحكم لضراوة
وبشاعة الجريمة في حق الطفولة كلها ، لماذا لم يُصدر حكم بالإعدام ؟! لأن المجرمَيْن
من الأحداث .. !!
أحــــداث ؟!! .. ولد 18 سنة زي " الشحط " ( طفل إزاي يعني ؟!! )
.. هذا ما يُدعى في القانون حدث قد يكون على قدر من الإجرام وتعاطي المخدرات
والبلطجة والشذوذ ليتزعَّم عصابة من الأحداث أيضاً فتغتصب الأطفال ، تختطفهم ،
تتاجر بأعضائهم ، تقوم بتشغيلهم في أعمال منافية للآداب ، تروج من خلالهم المخدرات
، تسرق بأيديهم إلى ما لا نهاية من الأعمال الإجرامية ، ثم يقف المجرم الحدث في
قفص الإتهام وكما ينص القانون يحكم القاضي ، فلا يُصدَر بحقه الحكم اللائق بجرمه
الشنيع المشهود ، لماذا ؟!! .. لأنه من الأحــــــــــداث .. !!
لا توجد أبداً قوانين رادعة ، مع أشد الجرائم شذوذاً على المجتمعات المصرية
لا تجد مرة أحكاماً استثنائية ترقى لخطورة الجريمة ، لهذا تنتشر وتستشري الجريمة يوم بعد يوم ..
العيب ليس في القانون ، العيب في الجمود والرتابة والبدائية في رؤوس
القائمين على هذا القانون ، قانون مليء بالثغرات والأحكام اللامنطقية التي لا
تتناسب مع دنيا الواقع التي تحولت إلى غابة ، يأكل فيها الإنسان لحم أخيه ويرتكب
الجريمة بدم بارد ، يعذب ويسلخ الجلود ويفصل الرؤوس ويقطع الأوصال ، وفي أبسط المشاجرات
يرفع أحد الطرفين السلاح الأبيض ويُجهز على الآخر ويأخذ حقه بالذراع ..
محطتي الثانية مع ياسمين ، طفلة من أطفال القمر مصابة بمرض ( إكزيروديرما )
لو لم تسمع باسم هذا المرض من قبل ، فهو مرض جلدي مميت بسبب جينات وراثية ،
أصحابه لو تعرضوا لأقل قدر من أشعة الشمس يؤدي إلى تبقع الجلد بصورة شرسة ثم تورم
في الجلد وفقدان البصر وتآكل غضاريف الأنف والأذن وعظام الوجه ومحجري العينين وقد
يصل الحد لاستئصال العين ، وكلما زاد الإهمال وعدم اتخاذ الاحتياطات الكافية من
عدم التعرض لأشعة الشمس والمصابيح فإن الأورام تمتد لتصيب الرئتين والكبد ،
لهذا غالباً ما يموت الأطفال المصابون به وهم صغار جداً ومتوسط أعمارهم لا يتعدي
العشرين عاماً ..
في البلاد المحترمة يتم توفير حياة خاصة لهم بداية من العلاج المتمثل في
كريمات الوقاية من الشمس والملابس والنظارات والقبعات ، حتى توفير المدارس
والملاعب والمخيمات الليلية , هذا في البلاد المحترمة التي تهتم لصحة الحيوان قبل
الإنسان ، هناك الأطفال لا يموتون بهذا المرض ، حتى أن المصابين به لا نجد على
بشرتهم أي احمرار أو تبقع أو تآكل كالمشاهد المأساوية التي رأينها على المصابين به
في مصر والذين هم في طي غياهب الجهل بحالتهم ، متوارين بدورهم عن الأنظار وبعيداً
عن الكاميرات و الشوارع لما لاقوه من علامات التقزز من حالتهم المزرية ، وبعد أن طردوا
من مدارسهم بسبب ما يحملون على وجوههم من علامات مخيفة لمرض جلدي يفهمه البعض على
أنه قد يكون معدٍ ..
في بلادنا المحترمة التي همها الدساتير العظيمة التي نحلف بالقمح والمصنع
على عظمتها يذكرون أيضاً أنه الدستور الأعظم الذي ضمن حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة
، لا أعتقد أنهم ذكروا حالة أطفال القمر صراحة في الدستور ، فوزير التعليم العالي
يعاملهم حتى الآن مع ضعاف البصر في التحاقهم بالمدارس ( مدارس في عز النهار وعز الشمس ) ، وعندما سأله يسري فوده في
البرنامج الذي عرض حالة هؤلاء الأطفال وعد بأن يكون على بداية العام الجديد مدارس
خاصة ليلية لهم ( وموت يا حمار ) ، علاج أطفال القمر لا يدخل ضمن التأمين الصحي ،
لماذا ؟ لأن الوزارة تعتبره من كريمات التجميل الواقية من الشمس غالية الثمن ، دستور
لا يضمن مدارس ليلية ولا يوفر علاج ولا يلزم جهات بإحصاء الحالات في المحروسة ، لهذا
نعد الدساتير ، لنِبِلَّها ونشرب ميتها ..
ياسمين ماتت أثناء إعداد التقرير لبرنامج آخر كلام ، وأختها مصابة بنفس
المرض وتنتظر نفس المصير مع تواجد نفس الإهمال والتقصير ..
ماتت زينة ضحية الخطف للاغتصاب وانتهت حياتها بأبشع صورة إجرامية بسبب العنف
المنتشر في المجتمع ، ماتت ياسمين ضحية إهمال وتخاذل الدولة في القيام بدورها
المكفول بالدستور في تقديم العلاج والتعليم وتوفير الحياة الكريمة للمواطنين ..
ونظل نحلف بعظمة القوانين والعدالة وبروعة الدستور الذي لم يسبق له مثيل في
الوجود ..
لا أريد مصراً أماً للدنيا ، أريدها أماً لأطفالها ..