(1) في مشهد لوزير الداخلية ” اللواء فاروق ” في مسلسل صاحب السعادة وهو يتصفح الملف الإعلامي الذي قدَّمه له مساعده، تحوي صفحات الملف العديد من قصاصات الجرائد بأهم الأخبار، والذي قام المعدِّون فيه بعمل ” هايلايت ” بالألوان الفسفورية المختلفة لتحديد عناوين تلك الأخبار بحسب أهميتها وخطورتها، فاللون “البمبه” الفسفوري خصَّصُوه لتحديد الأخبار الهامة العاجلة التي يجب على الوزير قراءتها واتخاذ قراراً بشأنها، والأخضر للإطلاع والعلم فقط، والأصفر للأخبار التي يجوز له تجاوزها وعدم شغل باله بها .. يدفعني هذا المشهد إلى التساؤل الآن عن كيفية اطِّلاع الرئيس عبد الفتاح السيسي على أخبار المواطنين وخاصة الغلابة منهم، والتي في أغلب الأحوال لا تصل مشاكلهم للمسئولين إلا بعد خراب مالطا، المواطنون الغلابة الذين ليس لهم واسطة أو يُعَدُّون أحد نجوم المجتمع ..
(2) يبدو أن أحداً ممن يقدم التقارير الإعلامية للسيد الرئيس قد قام بعمل “هايلايت – بمبه فسفوري” على خبر الوعكة الصحية التي أصابت السيدة (لميس جابر – أحد أهم أعداء ثورة يناير، وأحد أهم أذرع الدفع بالسيسي مرشحاً ومنتخباً للرئاسة)، فأرسل الرئيس السيسي أطباء الرئاسة للإطمئنان على صحتها، وعَرْضٌ بعلاجها على نفقة الدولة، كما صرَّح بذلك زوجها الفنان يحيى الفخراني لجريدة الوطن، فرد الفخراني على العرض السخي مازحاً : ( وهي الدولة عندها فلوس ؟!! ) شاكراً الرئيس السيسي على الاهتمام ..
(3) أعود وأسأل من جديد من أوصل السيسي خبر مرض لميس جابر؟!! ولماذا لم يُلَوِّن هذا الشخص باللون “البمبه” أيضاً خبر وفاة السيدة وفاء ؟!! والتي عانت من سرطان في ثدي تم استئصاله، ثم زحف الورم على المخ لتتلقى جلسات إشعاع لمدة تقارب الأسبوعين، ثم إصابتها بعد ذلك بحمى انتهت بها بإصابتها بمتلازمة ” ستيفن جونسون “، والتي أودت بحياتها جرَّاء الإهمال الصحي التي لاقته من أكثر من مستشفى ظل الزوج يسعى بزوجته على أعتابها لستة عشر ساعة كاملة، دون منقذ أو مسعف أو طبيب يجدون في قلبه آثاراً من رحمة، فظلت لأيام يسقط جلد جسمها كله في مشهد تتشقق له الحجارة وتنهارله الجبال ويصبر أمامه زوجها وأطفالها، يبدو أن لا أحد يُلَوِّن الأخبار الخطيرة الخاصة بالغلابة للسيد الرئيس، ولا يمتلك السيسي موبايل به واي فاي ليتصفح بنفسه مواقع الأخبار ليرى فيديو لطفلي تلك المرحومة وهم يتلقيان نبأ وفاة والدتهم على الهواء مباشرة على أحد الفضائيات، فيصك الطفل الأكبر (12 سنة) وجهه من هول ما أصابه عند سماع خبر مفارقة والدته الحياة، وتنهار الإبنة من البكاء والنحيب، ولم يُحقِّق بنفسه أو يرسل أطباء الرئاسة كما فعل مع لميس جابر ليستوضح لِمَ يدفع الزوج ثلاث آلاف جنيه في مستشفى حكومي تموت فيه الزوجة من الإهمال الطبي المتعمد، لا يعلم السيسي كم من محظوظ استطاع أن يصل بشكواه للإعلام فيما أصابه من كوارث مرض أو خطف أو سرقة بعد نهاية المطاف وبعد أن وقعت الفاس في الراس ، لا يعلم السيسي أن أجهزة الدولة ببساطة تتخاذل عن القيام بواجبها على الوجه الأكمل والأمثل وبالذات في قطاع الصحة !
(4) بمناسبة أجهزة الدولة، وفي تصريح لوزير الداخلية يفيد فيه بتصفية سبعة من إرهابيي بيت المقدس، والمسئولين عن مذبحة الفرافرة، وإسقاط خلية التفجيرات والاغتيالات الكبرى في مديريتي أمن القاهرة والدقهليةُ، ثم في اليوم التالي الثلاثاء 16سبتمبر يتم تفجير مدرعة تمشيط على طريق رفح العريش ، فيذهب ضحيتها ضابط و5مجندين في نفس مكان تفجير مدرعة سابقة تم تفجيرها قبل ال14 يوم الماضية، والتي سقط فيها 11 شهيداً (ضابط و10 مجندين) في نفس المكان وبنفس طريقة التنفيذ، لا أدري بأي لون سيلَوِّن الملونون هذا الخبر؟!! ولا أدري بأي لون يتلَوَّن دم وزير داخلية مازال يتقلد منصبه حتى الآن بعد كل تلك الكوارث اليومية ؟!!
(5) لم يُلَوِّن أحد للرئيس السيسي خبر تأخر معدات الإنقاذ لانتشال عمال مصنع العبور الذي انهار بطوابقه الأربعة فوق رؤوس من فيه ، فبقي الضحايا محتجزين تحت أنقاضه لأكثر من 17 ساعة، ليستعين الأهالي بمعدات المقاولين في النهاية ، ليخرج المحتجزون جثة وراء جثة بعدما كان عددٌ منهم أحياء يردون على ذويهم بالأنات، لم يُلَوِّن أحد للسيسي خبر اعتراض أطباء إسرائيليين على وحشية نتينياهو في حربه على غزة في وقت يُلقي الإسعاف بجسد مُسن مريض يعاني آثار عملية في ساقه لأنه لا يحمل ما يثبت شخصيته، لا أحد يُلَوِّن أنباء وفيات محتجزين في أقسام الشرطة كل يوم والتي تأتي تحت مسمى ” الوفاة الطبيعية” ، لم يُلوِّن أحد للسيسي خبر غرق مصريين ضمن 500مهاجر على يد مهربين في سواحل مالطا، لا أحد يُلَوِّن خبر وفضيحة تصميم طابع البريد التذكاري لقناة السويس الجديدة والذي حمل صورة قناة بنما .. يذكرني موضوع التلوين هذا بأحد من عملوا بالقرب من المخلوع مبارك والذي كان يعد له التقارير والملخصات والذي أفاد بأنه ذات مرة قدَّم للرئيس المخلوع تقريراً مكون من 7صفحات، فيلقيه مبارك في وجهه قائلاً : ( إنت جايبلي دفتر أقراه ؟! اختصر عن كده كمان ! ) لعلَّ السيسي لا يحب الاختصارات أو لا يقتنع بالألوان الفسفورية ، ولكن من الضروري حينئذٍ أن يقع محل اهتمامه وتفاعله أخبار ترقى للتوسط والتدخل كما فعل في الصلح بين مرتضى منصور وأحمد شوبير والتقاط صورة للذكرى !
(6) حكت لي مرة إحداهن عن كارثة حريق شب في عمارة تقع شقتها فيها، وعندما وصل الدفاع المدني أمر بإخلاء المبنى من السكان، فهرعت السيدة لجمع كل مالديها من نقود وذهب، ثم استقبل سكان المبنى المقابل كل سكان المبنى المحترق ولما وقفت في شباك الشقة التي لجأت لها لتشاهد عملية الإطفاء في عمارتها بدأت بالصراخ في حالة هستيرية لأنها اكتشفت أنها نسيت أولادها نياماً في الشقة!!!
أيوا والله زمبئولك كده !!
يُطبل ويزمِّر الناس فرحاً بجمع 60مليار جنيه في شهادات استثمار قناة السويس ، مع إن 90% منها ودائع مصرفية و10% فقط هي تحويشة عمر المواطنين الوطنيين فقط والذين يحبون مصر دوناً عن غيرهم من الخونة ممن لم يتبرَّع والتي وكما صرح أحد المسئولين أن جزءا كبيرا منها سيستخدم لتمويل عجز الموازنة، طاروا بالمليارات ويعنِّفون كل من يتساءل عن جدوى مشروع طويل الأجل لن ينقذ المواطن الغلبان في القريب العاجل مما يعاني منه في كل مناحي حياته، يغضبون ممن يسأل عن فائدة أن يكون أولادي جوعى مرضى عرايا، وبدلاً من أن أقوم ببناء كشك يؤمن لهم لقمة وهدمة وحبة دواء خلال ساعات أو أيام قليلة، أجمع تحويشة عمرهم لأفتح بها مول تجاري، فنُتَّهم باصطياد السلبيات ممن يرى أن الأمن عاد بنسبة كبيرة طالما أن أحداً من عائلته لم يُختطف بعد ، لا حق لنا أن نسأل عن منظومة الأمن الواهية التي من جرائها يتم استشهاد ستة وسبعة وعشرة شهداء في مدرعة في رفح أو الشيخ زويد كل أسبوع، لا حق لنا أن ننتقد الأوضاع الأمنية الفاشلة التي نتاجها أطفال مخطوفة ومفقودة ومغتصبة كل يوم ، لا حق لنا أن نتساءل لِمَ يموت الناس في المستشفيات بدم بارد ويُلقون على أعتابها فوق أكوام القمامة، لا يحق لنا أن نتساءل عن شباب مهروسين تحت أنقاض مصانع، وعشرات مفرومين في حوادث طرق، ومسوخ تهذي كل ليلة في الفضائيات على الحياة البمبه الفسفوري اللي بدأت تهل علينا ..!!