الاثنين، 14 نوفمبر 2016

مقتل الرجل الكبير.. نبوءة إبراهيم عيسى

http://www.e3lam.org/2016/11/07/160386
https://www.facebook.com/notes/hala-moneer-bedair/%D9%85%D9%82%D8%AA%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AC%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A8%D9%8A%D8%B1-%D9%86%D8%A8%D9%88%D8%A1%D8%A9-%D8%A5%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85-%D8%B9%D9%8A%D8%B3%D9%89/10154112570611696
"مقتل الرجل الكبير" .. سبعة عشر عاماً تقريباً مرَّت على كتابة تلك الرواية التي تم منعها ومصادرتها حينما قرر إبراهيم عيسى نشرها على نفقته الخاصة في مرحلة من التضييق عليه وحصار اسمه صحفياً ..



كانت المشاهد تتنقَّل بين مشهد اغتيال الرئيس وبين مواقف سابقة له في حياته، ومواقف ارتباك الحاشية والحكومة لمقتله، وكيف سيتم إعلان النبأ وإعلام ابنه، ومن سيخلفه في تولي المنصب في إطار من الجدية الساخرة المغلفة أحياناً بالكوميديا السوداء..
أبطال الرواية :
- رئيس الجمهورية/ الرجل الكبير (تعطي إيحاء بأنه الراس الكبيرة لعصابة) ..
رئيس الوزراء
- مدير جهاز الأمن الوطني (لاحظ أن مسمَّى أمن الدولة تغيَّر بعد الثورة إلى الأمن الوطني)..
- وزير الإعلام
- وزير الداخلية
- وزير الحرب "الدفاع"
- مدير الرئاسة
- ريتا جفرسون مكربي (عضو اللجنة الأمريكية السرية للتحقيق في مقتل الرئيس)..
- د/يوسف رضوان (أستاذ بكلية الحقوق)..
- مجموعة من الضباط في الحرس الخاص بالرئيس.. 


الرواية سياسية بوليسية 
عرض فيها عيسى الفساد الأخلاقي في الحكومات والتستر على الجرائم والمحسوبيات والواسطة والرشاوى وفبركة الحقائق والوقائع، انحسار القانون ومواده وروحه أمام التهاوي الأخلاقي والعنف والقسوة والشراسة في سلوك وزراة الداخلية، لجان التحقيق التي تُعقد ليس للبحث عن حقيقة وإنما لتتميم أوراق وتقفيل ملفات، نفوذ وتدخل رجال الأعمال في سياسات الحكم وسلطة اتخاذ القرار، الهوان الذي تعرض لها جناحي المعارضة من الإخوان والشيوعيين وويلات الاعتقال والاضطهاد والتعذيب، التواجد الأمريكي المعمول حسابه في كل صغيرة وكبيرة، وتأليه الشعب لرئيسه في أن يصل به الظن حد العقيدة أن الرئيس لن يموت أبداً..


تمكن إبراهيم عيسى من صياغة الرواية في عبارات فصحى رصينة ولكن كثيراً ما كان يتخللها العامية، أظنها للتخفيف قليلاً على القاريء الذي يفضل قراءة العامية، وباستثناء بعض الألفاظ الخادشة للحياء والإيحاءات الجنسية، فعربية عيسى فيها من البلاغة في وصف الأماكن والأشخاص (كما في وصف تكايا الصوفية والمريدين من الدراويش وحلقات التفقير) ما يجسد لك المشاهد، يبهرك بتعدد وتسلسل المرادفات (بالرغم من وقوعه أحياناً في فخ الاسترسال  فيها والذي قد يبعث على الملل)، مهارة في استخدام السجع والجناس دون تكلف، مما يضفي على الرواية صيغة أدبية مميزة وفريدة.. 


بالرغم من محاولته التجهيل في تسمية الدولة التي اغتيل رئيسها بقوله (اغتيال رئيس جمهورية بالشرق الأوسط) إلا أنه من خلال السياق سيكون مفهوماً أن المقصود مصر ورئيسها، من خلال الحديث عن إذاعة أفلام مثل "ناصر56" و "الناصر صلاح الدين" ، عن رياح الخماسين، بالإضافة للنقوش الفرعونية على مباني المدينة الغير مسماة والتي لا يقطنها سوى أصحاب الغنى والنفوذ، وذِكر الفنانين التشكيليين المصريين محمود سعيد وعبد الهادي الجزار..
وصف الرئيس أنه من حفريات القرون الوسطى في الشرق الأوسط، لا يقرأ الصحف، عاصر ثمانية رؤساء أمريكان بين سابق وفقيد، مجمد على عرشه أكثر من 30 عاماً ظالماً غاصباً، وأنه عندما تُحاك ضده مؤامرة فإن الناس ستفرح لموته وستجزع خوفاً مما قد يحدث من فوضى بعد موته، وهذا ما حدث بعد ثورة 25 يناير لا بمقتل مبارك، وإنما بخلعه أو كما يحب أن يقول مريديه "تنحيه عن الحكم" ..
سيُفجِّرك ضحكاً في :
- الحوار بين الرئيس ورئيس الوزراء في مناقشة التغيير الوزاري الذي ينم عن الكيفية الدنئية التي يتم بها اختيار الوزراء عندما يكون الرئيس ديكتاتوراً جاهلاً، ورئيس وزرائه خانعاً..
- برقيات مبايعات وتأييد الرئيس على خطوته الحكيمة في ضرب الوزراء بالشلوت ..
- نكات الرؤساء عندما يموتون ويسألون بعضهم بعضاً عما صنعوه لشعوبهم ..

استشَفَّ المستقبل من خلال :
- الشاب العشريني الذي أضرم النار في جسده أمام البرلمان رداً على خطاب الرئيس "اللي مش عاجبه البلد يولع بجاز" وأشار إلى ذلك ب "
جماعة المولعين بجاز"، كما حدث مع البوعزيزي التونسي، الشرارة التي أضرمت الثورة التونسية ومن بعدها ثورات الربيع العربي .. 

- تطويع الدين وأخذه سلاحاً لحث أو ردع الشعب في المواقف السياسية تبعاً لما يريده الحاكم..
- تنبأ بشخصية "توفيق عكاشة" كمرشح لرئاسة الجمهورية‘ عندما جاء على لسان الرجل الكبير في البرلمان "أنا ح اخطب للبط يا رعاع" ..
وجود الدبابات والمدرعات أمام مبنى الإذاعة والتليفزيون بعد مقتل الرئيس، (وهذا ما حدث بعد اندلاع ثورة يناير)..
إقلاع الطائرات الحربية على مستوى منخفض في سماء العاصمة ليس للترهيب وإنما لعرض الحب والمودة، (في كل مرة يعتصم المتظاهرون في ميدان التحرير)..

تنبأ بترشح وزير الحرب لمنصب رئيس الجمهورية من خلال الحديث عن :
- حملة إعلامية ضخمة تؤكد وقوف الشعب إلى جانب الرئيس الجديد، واشتراط الدستور أن يكون مرشح الرئاسة مدنياً، أي ليس من العسكريين( بمعنى وجوب استقالته من الوزارة - 
المشير عبد الفتاح السيسي)..

 - ليس هناك أي ضمان لانتقال السلطة مدنياً وسلمياً في دول العالم الثالث..
- المظاهرات اليومية التي ترفع صوره وتنشد اسمه وتهتف به رئيساً..
- الجملة الشهيرة على لسان من ينتوي الترشح للرئاسة (أياً كان) : "إنني لست باحثاً عن منصب أو جاه، ولكن قبلت هذه المسؤولية لأن شعبي شرفني بترشيحي لها" ..

أثار دهشتي في عدد مرات تشبيهه عدم تحكم الشخص بنفسه ببول الشخص على نفسه ، كما لم يعجبني استرساله في كيفية اختيار مكان القصر والمشرفين على بنائه وشكل أجنحته، دون داعٍ بأن سلبنا عن أجواء مشهد الرئيس الغارق في دمه، والإسراف في الحديث عن اللقاءات الغرامية والعلاقات النسائية..

إسقاطات :
- ممارسة الرئيس لرياضة التنس الشبيهة بلعبة الاسكواش التي كان يمارسها مبارك..
- ابن الرئيس الذي يملك أسهماً وحصصاً وشراكة في كل ثقب في عالم الأعمال (علاء مبارك) ،ومهامه العديدة والمتعددة حتى وصلت كونه وزيراً ونائباً للرئيس، إشارة لمشروع التوريث الذي ظهر بعد الرواية بسنوات (جمال مبارك)..
- محاولة الاغتيال بهجوم الأسود في احتفالية مرور مائتي عام على تأسيس حديقة الحيوان، وقول"مش معقول.. مش معقول" (وردت على لسان السادات لحظة اغتياله)..
- شبه واقعة وفاة الرئيس بعملية استئصال لوز أو زائدة دودية في حالة الاستيقاظ دون مخدر أو مسكن، ثورة يناير التي كانت بمثابة استئصال مبارك من جسد المصريين..
- تولي وزير الدفاع "الحرب" مقاليد الحكم بعد مقتل الرئيس، (تولي محمد حسين طنطاوي) رئاسة مصر بعد ثورة يناير..
- تولي رئيس المحكمة العليا مقاليد الحكم كرئيس مؤقت "صوري" للبلاد، ( عدلي منصور) رئاسة مصر في الفترة الانتقالية بعد عزل مرسي.. 


أكثر ما مس قلبي :
- الفصل 22 عندما أجاب أستاذ القانون عن سبب سكوته وخنوعه
ورضاه بالظلم والطغيان وعدم صراخه بكلمة "لا" ولو لمرة واحدة، عندما قص حكاية جديه المأساوية، الجد الإخواني والشيوعي وكيف مُورس ضدهما كافة ألوان التعذيب والمهانة
أكثر حوار يوافق الواقع:

- الفصل 23 وكيفية سبك العملية الانتخابية وتحديد نسبة الموافقة ب 99.9% والاتفاق على نسب المشاركة والتصويت وإقبال الناخبين، حتى أنه تم الاتفاق على نسبة الرافضين ليُعرض ذلك في وسائل الإعلام كدليل على الحرية والديموقراطية..

بالرغم من تسلل الرتابة في بعض الفصول،إلا أنها ستستهويك عندما يبدأ لغز عملية الاغتيال في الكشف عن القاتل، إذا ما كان أحد افراد الحرس أو تورط المخابرات ورجال الأعمال للتخلص منه والحلول مكانه، لاستمرار نظام الرئيس بكفاءة أعلى في القتل والظلم والديكتاتورية، وأن التشهير والتشنيع والاتهام بالشذوذ الجنسي والأخلاقي سيكون مآل كل من يحاول الوقوف أمام آلة الظلم الممنهجة، أو الاتهام بالخيانة والعمالة كونه تجرأ على معارضة الرئيس..
أثناء القراءة ستتذكَّر رواية 1984 لجورج أورويل الذي جسَّد فيها تصوره لحياة الأفراد في ظل حكم ديكتاتوري مشبع بالتجسس واضطهاد الأفراد في مناخ من التخوين وانعدام حقوق وكرامة الإنسان، ستتذكر مشاهد من مسرحية الزعيم وعادل إمام ينطقها "بطيخ الريس لازم يكون من غير بذر، الريس لسه هيتفتف البذر؟ الريس يِلْهَط على طول"، ستتذكر محمد صبحي في مسرحية تخاريف وهو يقول "شعبي العزيز المهاود"..
نهايةً .. سيختلف تقبلك لتلك الرواية تبعاً لتوقيت قراءتك لها، لو كنت قد قرأتها قبل الثورة فسترى إبراهيم عيسى البطل الشجاع المغوار الذي استطاع أن يقف في وجه الظلم والطغيان بالخروج بتلك الرواية، ولو قرأتها بعد الثورة مباشرةً سترى كم هو عظيم في استشراف المستقبل والتنبؤ بالأحداث، ولو قرأتها إبَّان بدايات حكم السيسي سترى فيه المتنازل عن القيم والمباديء والتغاضي عن ظلم النظام بعكس ماعرضه في روايته، ولو قرأتها منذ أشهر معدودة فقط سترى إبراهيم عيسى في قديم عهده من حيث مجابهة الطغيان وقول كلمة الحق في وجه حاكم جائر..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق