الجمعة، 17 يونيو 2016

السيكوباتي فوق مستوى الشبهات

http://www.e3lam.org/2016/06/16/123041
https://www.facebook.com/notes/hala-moneer-bedair/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D9%83%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA%D9%8A-%D9%81%D9%88%D9%82-%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%88%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A8%D9%87%D8%A7%D8%AA/10153748230086696
https://twitter.com/HalaBedeer/status/743445135594225664
ليس غريباً أن يكون المجتمع الذي يقتل فيه زوج زوجته لأنها تأخرت في إعداد السحور له أن يكون جزء كبير من الدراما الرمضانية لديه تعتمد اعتماداً أساسياً على جرائم القتل والمحاكمات وأن يكون أبطاله الأساسيون يمتهنون مهنة المحاماة، وأن يكون أيضاً الاضطراب النفسي واللجوء لأخصائيي الطب النفسي هو دعامة كثير من الأعمال الفنية، فعلى سبيل المثال أربعة من أبرز المسلسلات الرمضانية هذا العام يُعاني بطلها الرئيسي من خلل نفسي سواء مزمن أو حاد يدفعه للجوء إلى المصحة النفسية لتلقي العلاج ومن ثم تكون هذه العثرة النفسية سبباً في مزيد من الحبكات والعُقد الدرامية ..

والمحامية “غادة عادل” في مسلسل “الميزان” يتسبب زوجها الضابط بسرقته الدليل الوحيد الذي تمتلكه على براءة موكِّلها ومن ثم إعدامه إلى إصابتها بانهيار عصبي حاد، ومن ثم إيداعها إحدى المصحات النفسية التي يستخدم زوجها فيما بعد شهادتها الطبية بوعكتها الصحية تلك؛ دليلاً على عدم قدرتها على العناية بابنهما في قضية ضم حضانة الطفل ..فالمحامية “ليلى علوي” في مسلسل “هي ودافنشي” كانت في مصح نفسي لمدة ست سنوات على إِثر حادث، وبسببه تعاني هلوسات ظهور شبح فنان مقتول ..
وبالطبع لن ننسى “نيللي كريم” في مسلسلها “سقوط حر” الذي يقوم أساسه على مرضها النفسي الذي أخرجه على السطح العلاقة المحرمة التي اكتشفتها بين زوجها وأختها مما دفعها لارتكاب جريمة قتلهما ..
أمَّأ العمل الدرامي الرابع والذي يتناول السلوك النفسي الأكثر شذوذاً والأكثر بُعداً عن المشاكل النفسية العادية وأسبابها الاعتيادية هو مسلسل “فوق مستوى الشبهات”، إذ تقوم دكتورة التنمية البشرية “يسرا” بقتل الدكتور النفسي المعالج لأختها لامتلاكه تسجيلات لها تحكي فيها عن ماضيها الأسود والذي تخشى من أن يفتضح أمرها ويعيقها ذلك من تعيينها عضوة في مجلس الشعب ..
كل تلك البطلات (باستثناء يسرا) لو اشتركن في معاناتهن من خلل نفسي إمَّا بسبب أزمة نفسية حادة أو حادث أليم أو الوقوع تحت ضغط نفسي بشع لاكتشاف جريمة الخيانة، فهذا يبدو مألوفاً وعاديَّاً بدليل أن معظمنا إن لم نكن كلنا نردد في الآونة الأخيرة عزمنا أو إرادتنا المُلِّحة للجوء لأطباء نفسيين لمساعدتنا على مواجهة الحياة التي تكتظ من حولنا بكل ما يُفجِّر كبتنا وغضبنا ويكشف عن أسوأ ما فينا ويدفع الكثير يوميَّاً لارتكاب ما لا يتصوره عقل أن يقع لأتفه الأسباب، أمَّا عن “يسرا” فهي تُجَسِّد ببراعة مفهوم “المجرم السيكوباتي”، ذلك الشخص الذي يعاني في سلوكه ومشاعره اضطراباً واضحاً يدفعه في كل مراحل حياته حتى مرحلة الطفولة إلى السعي لإيذاء الآخرين وإلحاق الضرر بهم دون أدنى قدر من الندم أو تأنيب الضمير ..
فالشخصية السيكوباتية أنانية قادرة على إشباع رغباتها ونزعاتها المريضة دون شعور بالذنب، الانتهازية والوصولية سماتها العليا، تتورط في العنف وإيذاء الآخرين في لحظة الشعور بالخطر أو مجرد التهديد به حد التورط في جريمة قتل، حتى بعد ارتكابها الجريمة لا يبدو عليها أي مظاهر ارتباك أو حيرة أو تشتت، ذكية ومرتبة الأفكار وسريعة البديهة حد ترتيبها للإيقاع بضحية تحمل إثمها وجريمتها ..
تظهر بمظهر ناعم سوي مخالف لحقيقتها المعتلة نفسياً، مخادعة تغش من حولها لتبدو بسيطة سهلة وواضحة، ولكنها في الحقيقة من أكثر الشخصيات تعقيداً ولا يسهل على محيطها اكتشافها، إذ تتلاعب بأفكارهم وتتفنن في خلق المشاكل بينهم، لا يردعها ضمير أو دين أو أخلاق مجتمعية، تزداد شراستها لمن تكتشف أنه يكن لها أقل قدر من المشاعر السلبية، حتى ولو كانت غير مقصودة، تكره أقرب الأشخاص لها حتى لو كانت أمَّا أو أختاً، تفسر المواقف بعقليتها المريضة وذات ردود أفعال عنيفة مباغتة تتلذذ بها، حتى لو اعتذرت فإن الاعتذار زائف ..
تُجَسِّد يسرا الشخصية “السيكوباتية المبدعة” التي بتلونها المتقن واحتيالها وخبثها ومكرها تصل لأعلى المناصب العلمية والعملية،
تقوم بالدور بمنتهى الدقة والإتقان بملامح الوجه المتناقضة المتوترة بتواتر منظم، ما بين لحظات التورط في الجريمة وبين لحظات التملص منها والتنكر لها والتعجب من بشاعة ارتكابها، ومن ثم توريط أقرب صديقاتها وتقديمها للشرطة وكأنها الجاني الحقيقي بالبراهين والأدلة، تُبرز مشاعر حب السيطرة والعدوانية في تسببها في سجن زوجها لمدة خمس سنوات ومن ثم الطلاق منه والاستيلاء على أمواله، تُظهر مرونة وشهامة وتفاني في مساعدة الآخرين ولكن لتحقيق مصالحها الشخصية في المرتبة الأولى حد تجنيد أحد عمَّال النادي ليأتي لها بأخبار الكومباوند، ولكن تبقى إحدى معارفها وهي المذيعة بالراديو تشك في سلوكها المخادع وأنها تظهر بما ليس حقيقتها، فمؤكد أن شخصية بذلك التلون لن تكون قادرة على خداع كل الناس ..
الشخصية السيكوباتية ليست وليدة اللحظة أو تنبع بمؤثرات خارجية وإنما هي لصيقة بالطفل منذ صغره وخاصة في مرحلة مراهقته، وتشتد في علاقة طردية بتكاتف العوامل الخارجية المحيطة بالطفل من أسرة ومدرسة وعوامل اجتماعية أخرى، وعلاجها أمر مستحيل حد قيام انجلترا باحتجاز من يتم التأكد من شخصيته السيكوباتية لخطره الشديد والفعلي على المجتمع، ومن يتورط فيهم في سلوك سبيل الجريمة فإنه يبلغ حد المجرمين معتادي الإجرام لصعوبة اكتشافه والإيقاع به بسهولة، فسلوك السيكوباتي غالباً ما يكون فوق مستوى الشبهات ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق