https://web.facebook.com/notes/hala-moneer-bedair/%D8%A3%D9%86-%D8%AA%D9%83%D9%88%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%AD%D9%8A%D8%B7-%D8%B1%D9%85%D8%B3%D9%8A%D8%B3/10156039337756696/
بعد أن شاهدت بالأمس المشاهد الكارثية لاصطدام واشتعال قطار برصيف 6 في محطة مصر، تذكرت أني تواجدت في منطقة رمسيس الأسبوع الماضي في محيط صيدلية الإسعاف، واكب إحساسي (بأني كنت هناك) فضفضة الكثيرين عن العناية الإلهية التي أحاطتهم بعدما كان يفصل بينهم وبين تلك النهاية المأساوية مجرد دقائق معدودة.
إنه لأمر مُفزعٌ حقا أن يتخيَّل الإنسان نفسه أحد تلك الجثامين المتفحمة، أو تلك السيدة التي اشتعلت النار بحجابها من خلفها، أو ذاك المذعور جرَّاء صوت الانفجار يجُر زوجته أو أخته هربا من المجهول، أو أولئك الذين تلتهم النيران جلودهم يهيمون على وجوههم والجميع مذعورون منهم إلا رحيم واحد يهرع إليهم يُطفئهم بما استطاع حمله في "جركن" مياه..
مجرد متابعة تلك المشاهد المؤلمة يعصر الفؤاد ويُعيي النفس هذا حالي وأنا من قاطني دمياط (أو "الأقاليم" كما يحب أن يطلق القاهريون عليها وعلى غيرها من باقي المحافظات) لست موظفة أخرج في ساعات ذروة المرور أنتظر أتوبيسات هيئة النقل العام أو ميكروباص من ميكروباصات الخط، لا أعاني أدخنة عوادم السيارات ولا تكدس الأجساد في وسائل المواصلات، لم أركب مترو الأنفاق ولا قطار منذ ما يقرب من ثلاثين عاما، هذا كله وقد دب رعب في قلبي لمجرد أني تواجدت منذ أسبوع ولمجرد دقائق في منطقة حدثت كارثة في نقطة ما فيها، فما بالنا بأولئك الذين تدب أقدامهم يوميا ذهابا وإيابا في محطة مصر، يستغنون بأجرتها المتواضعة عن غلاء باقي وسائل المواصلات خاصة بين المحافظات، فالأرض التي حدثت فيها الكارثة الإنسانية هي همزة الوصل بينهم وبين بيوتهم ومقار عملهم ودراستهم ووجهات مصالحهم، ولا سبيل آخر لهم غير تلك المنطقة المنكوبة بالأمس، هم بالتأكيد توجهوا لركوب القطار اليوم وسيتوجهون لركوبه غدا وبعد غد، هم بالتأكيد تخيلوا أنفسهم مكان الضحايا، أو بالأحرى ينتظرون دورهم..
ومع كل هذا القهر والألم والذهول والرعب من غموض الحادث نجد بعض الآراء الشاذة التي أخذت على عاتقها منذ اللحظات الأولى الدفاع عن قضايا فرعية في خضم المجزرة، فتجد من يطالب بمحاسبة المسؤول عن تسريب فيديو كاميرا المراقبة للمشاهد الأولى للحريق، بحجة أن مشاهدة هذا الفيديو من اختصاص جهات التحقيق فقط، بينما لم يتورع هو ذات الشخص عن المبادرة بنشر الفيديو الذي يوضح سبب الحادث متناسيا رأيه منذ البداية من عدم مهنية المسؤول ولا إنسانية متابعي السوشيال ميديا لترويج الفيديو، وبالطبع فقد هلل ونشر وكتب عن اللقاء التليفزيوني الذي قدم السائق المتهم للمجتمع!
وآخرون طبعا رفعوا راية الحرب على الإخوان وفي مقدمتها القنوات الفضائية التي كان جزءا كبيرا من تغطيتها الإعلامية هو التأكيد على جرائم الإخوان محاولة الإيهام بأنها قد تكون مدبرة بيد سائق إخواني، والاستماتة في إثبات فبركة شبكة رصد لفيديو الرئيس السيسي الخاص بكلمته عن توفير مليارات تطوير السكك الحديدية، والتأكيد على جدية الدولة في تطوير منظومة النقل وهيئة السكك الحديدية، ولم يسأل أحدهم نفسه عن أي دلالة أو أمارة عن ماهية هذا التطوير وقد خلت المحطة ليس من نظام إطفاء سريع فقط، بل من مجرد طفاية حريق واحدة.
مثل هذا النمط في التناول الإعلامي من محاولة تفتيت الحقيقة الواحدة للحدث، وإبراز بعض النماذج الشاذة التي فقدت آدميتها في أحلك اللحظات، يشتت التركيز عن أدنى درجات التعاطف والمشاركة الإنسانية في أقسى وأشد الأوقات التي يحتاج فيها المنكوبون كل المواساة والمؤازرة، رحم الله الأموات والأحياء.