الاثنين، 2 فبراير 2015

نسخة الثمانينات من ال Dubsmash





من على سطح بيتنا واحنا صغيرين، ( في الثمانينات
)، وقت فراغنا إن ماكانش في لعبة بورقة وقلم، كان على جناح من الخيال، اللي كان أيامها بالنسبة لنا عز الجد وعين العقل وأمنية حقيقية من القلب، كان أملنا احنا والبنات جيراننا إننا : " نهرب ! " ..


الهروب ماكانش من أرض الغربة والرجوع لأرض الوطن مثلاً، أو زي ماكان بيجي في أفلام السينما واحدة هربانة من زواج مغصوبة عليه، أو هربانة لتتزوج بمن تحب، الهروب كان من أي مكان مهما كان لأرض فلسطين !! .. نعم .. أرض الانتفاضة وأصحابنا هناك أطفال الحجارة، كنا شايفين إننا البنات نقدر نعمل حاجة وإن فكرة الهروب هتبقى مقبولة ومباحة وممكنة لأنها للهدف الأسمى وهو فلسطين، أغلبنا كان في المرحلة الإبتدائية وأكبرنا لم تتعدى الأربعة عشر عاماً فكانت أحلامنا بسيطة لم تصل مرحلة التعقيد من كيفية الترتيب للحظة الإنطلاق والوصول والعودة من جديد، لم يكن ليخطر ببالنا فكرة الجهاد والاستشهاد كما كانت مُسَلَّم بها من قبل الفلسطينيين صغارهم قبل كبارهم، كنا فقط نرى روح المغامرة والكفاح والعمل الجاد، وإبراز القوة والبطولة وإثبات الذات والانتصار على العدو، ووجوب القيام بشيء ذي قيمة مُثَمَّن عظيم الهدف، وأن حياتنا المقصورة بين مذاكرة ووقت فراغ وأكل ونوم لم تكن لتعجبنا ونرضى بها دون ترك أي أثر أو فخر ، لم يكن قد بدأت تنمو لدينا بعد فكرة دعم القضية الفلسطينية، ولم يكن قد شاب الفكرة مسميات منفردة كقطاع غزة ومعبر رفح وأنفاق تحت البيوت وتهريب السلاح والتخابر، لم يكن قد دنسها بعد ممارسات إخوان أواتهامات حقيقية أو جزافية لحماس وكتائب القسام، كانت فلسطين والمسجد الأقصى والانتفاضة ضد الصهاينة بسلاح وحيد وهو الحجارة والكوفية الفلسطينية المربوطة على العنق ..

لماذا أذكر هواجس الطفولة تلك التي أراها وأعتبرها أثمن وأشرف من كل التعقيدات التي تقابل كلاً منا اليوم حين يبدأ الحديث والدفاع عن القضية الفلسطينية وما يُرَوَّج ضدها بسبب ما يُشاع أو يصدق عن حماس، لأن تلك الهواجس التي تبدو ساذجة وسطحية وطفولية تقف عملاقة جداً بجانب ممارسات شباب السيلفي وال Dubsmash اليوم .. لم يكن معنا موبايل ولابتوب ولا عصا سيلفي ولا تطبيق الدوبسماش، ولكن فراغنا صنع لنا الدوبسماش الخاص بنا، تلك الحالات العقلية الكبيرة المهمومة الواعية من فوق سطح البيت واحنا بنتخيَّل إننا في الجيش بنحارب لما نشوف أفلام الرصاصة لا تزال في جيبي ، واحنا بنخطط للهرب لفلسطين، أو بعد كده واحنا نفسنا نعمل أي شيء واحنا بنتابع قصف أفغانستان وغزو العراق ..

حقيقي الفراغ قد يكون دافعاً أن يبدع الإنسان ويخلق الجديد، ولكن واضح أنه يخلق أتفه وأعجب ما فينا هذه الأيام، جَرِّب واطلب من أحد المغرمين بتلك الظواهر الحديثة أن يقوم بتصوير أو جمع صور أو عمل فيديوهات محددة المدة مسلسلة عن أي موضوع هام، كتجميع لصور شهداء الثورة أو الجيش والشرطة أو لأغاني وطنية مثلاً، أو أي موضوع مرح مُسَلٍّ وبعيد عن السياسة وحال البلد، وستقابل بالتراخي وقلة عدد المستجيبين أوانعدام الحماس، لأن الموضع حمل جدية وأهمية، هم كذلك " في الهيافة الله ينوَّر " وف وقت الجد " وانا عاملة نفسي نايمة " ..
غير مطلوب أبداً نشر الكآبة أو التقليل من قيمة أجيال كاملة هم شباب المستقبل، وإنما المطلوب إظهار قدر من الالتزام والاحترام والمسؤولية ومواكبة أخطر المستجدات إلى جانب اهتمامهم بـ ( عمو حمادة اللي عنده بطة بتعمل كدهو، واللي عايزه تسلك صدرها بنفس شيشة، واللي عايز يِرَجَّع، واللي عايز يجيب مش عارف مين بلبوص ) ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق