لم تكن تعلم لشعرها طريقة تصفيف غير الضفيرة التي كانت تصنعها لها جدتها عندما كانت تجلس أمامها وهي في العاشرة من عمرها صباحاً قبل أن تذهب للمدرسة بزيها التي كانت تعشقه وكأنه لباس العيد .. كانت تذهب برفقة أختها يومياً إلى المدرسة تحت قطرات المطر التي كانت تقف لتشاهده في بلكونة جدتها الحديدية ولا تأبه لبردٍ لأن القلب كان دافئاً بحب جديها وحنانهما .. كانت تعشق لحظات انقطاع الكهرباء لتأتي بألوانها الخشبية لجدتها لترسم لها عروسة المولد على ضوء " لمبة الجاز " الذي مازال عبقها يسري بقشعريرة الحنين للماضي عندما تتذكره أو تشمه .. وإلى جانبهما كيس من الفول السوداني المحمص الذي لم تكن تحب سوى حباته البيضاء الغير محروقة والتي كانت جدتها تقوم بتجميعها لها ..
لا تذكر من أيام الماضي سوى أنها عاشت سنة بعيدة عن والديها وأخيها الأصغر .. عاشت تلك السنة مع جديها وخال وخالة وأنها كانت من أحلى سني حياتها أو قد تكون الوحيدة .. فلم يكن فيها سوى الحب والتقدير واللهو والدفء وعطف الجدين .. خاصة الجد الذي كان يعطيها قدراً كبيراً من الاحترام وكأنها ابنة العشرين وليس العشرة .. كانت تقلده في قراءته للجريدة وسماع الراديو والاهتمام بالهندام .. كانت تسعى لمعاونة جدتها وتجلس بجانب خالتها لتتعلم التطريز أو تسأل خالها الطبيب عن أشياء في كتب له كان يقرؤها .. حتى لهوها لم يكن شقياً أو مزعجاً وإنما كان مسئولاً .. كانت تلعب مع الآخرين كأنها الطبيب فتكتب أسماء الأدوية على أوراق صغيرة لتحفظها أو كمخرجة مسرحية وتعطي للآخرين أدواراً ليحفظوها .. حتى التلفاز لا تتذكر غير برامج عالم الحيوان ونادي السينما .. تربت شخصيتها في هذه السنة بالذات .. لا تتذكر أنها عاشت طفولة بمعنى الطفولة ولا تعتقد أبداً أنها عاشت مراهقة لأنها أثناء هذه الفترة كانت عروسة مسئولة في بيت الزوجية ..
شخصيتها العاقلة المتزنة التي تسبق سنها أهلتها لأن تحمل هذه المسئولية مبكراً وقد كانت بقدر المسئولية .. ولكنها بدأت عقدها الثالث وينتابها شعور دائم بالحنين للماضي لأن تكون تلك الطفلة من جديد .. لا تطمع في العيش لسنين أطول بالرغم من وجود زوجها وأولادها إلى جانبها ولكنها تحس أنها ابنة موت .ز وُجدت لتعش سنيناً تنظر إليها الآن فلا تجد لها من خطوط واضحة أو لوناً تقدر أن تصفها به .. لا زالت تصنع هذه الضفيرة لتحس أنها ما زالت صغيرة ولكنها صغيرة حزينة لوفاة الجد العزيز ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق