الأربعاء، 15 فبراير 2012

د. هبة طاهر تكتب: "مجتمع جديد أو الكارثة" ومستقبلنا المحسوب! | الموجز





من كتاب (مجتمع جديد أو الكارثة) للدكتور زكي نجيب محمود (و هو عالم و مفكر مصري كبير المقام و عظيم الأعمال)، مقال بعنوان ( المستقبل المحسوب) و قد أدركت أهمية هذا المقال، حتي أنني شعرت أنه واجب علي كمواطنة أن أنقل لكم فكر ومنطق هذا المفكر العظيم، اللذان نحن في أشد الحاجة إليهما (الفكر و المنطق السليم) في هذه الأيام.
http://www.almogaz.com/user/1/editيبدأ المقال بأنه "حدث إبان العشرينات من هذا القرن (القرن الماضي)، أن اضطلع ناشر-في انجلترا- بمشروع طموح ونافع ، وهو أن طُلب من مائة عالم و باحث و أديب، أن يتعاونوا على إخراج عدة كتب -كل في تخصصه- عن تصور ما سوف تكون عليه حياه الناس بصفة عامة، و في إنجلترا بصفة خاصة، بعد خمسين عاما من ذلك التاريخ"
وصدرت بالفعل تلك المجموعة من الكتب في حينها، ومضت الخمسون عاما، وفي السبعينيات تم مراجعة التنبؤات، فإلى أي حد جاءت حقيقة الواقع مصدقا لما رسمه رجال العلم و الأدب و الفكر؟
الإجابه: "قد بلغ المؤلفين من دقة الحساب حدا يلفت النظر، كان منهم من توقع وصول الإنسان إلى القمر، كان منهم من توقع انهيار الاقتصاد البريطاني و انحلال الإمبراطورية البريطانية، و تحدد لهذا تواريخ توشك أن تطابق ما حدث بالفعل. كذلك في بحوث علوم الفيزياء و الكيمياء و البيولوچيا.
وعلى هامش التنبؤات كانت هناك نبوءة في علم السياسة إذ تنبأ المؤلف بقيام دولة إسرائيل ثم تنبأ، أيضاً نفس المؤلف، بسرعة إحلالها، معللا هذا الانحلال السريع بأن عقدة الاضطهاد التي توقع عندئذ أن تكون سببا في الإسراع بنشأة الدولة الإسرائيلية، سوف تزول وبالتالي تزول نتائجها.
مضمون المقال أنه أصبح هناك علم اسمه (علم حساب المستقبل) وأنه قد بات في وسعنا اليوم أن نكتب للمستقبل تاريخ كما نكتب تاريخ للماضي! فكما نعرف كيف كان سكان مصر سنة ١٩٠٠ يمكننا أن نحدد كم سيكونون سنة٢٠٠٠، و كما نعرف كيف كان التعليم و كم نسبته، و كيف كانت الزراعة والصناعة، و جوانب الحياة الأخرى، يمكننا أن نحدد بدرجة عالية الدقة كيف ينتظر لهذه و هذه وتلك أن تكون في المستقبل، و لولا ذلك لما جاز لنا أن نتحدث عن (التخطيط) لسنة قادمة، و لخمس سنوات، أو لعشر سنوات أو كيفما تكون الخطة ومداها.
و كلما ازداد الإقبال على حساب المستقبل و رؤيته قبل وقوعه، على أسس علمية صحيحة في رصد الوقائع وفي استدلال النتائج، نقصت الأوهام و المخاوف.( ملاحظة أن الأوهام و المخاوف هي المسيطرة على تفكيرنا هذه الأيام).
عندما تُسأل: هل أنت متفائل أو متشائم ؟
الإجابة بسؤال آخر: في أي جانب من جوانب الحياة؟ فلو يقصد المستقبل بصفة عامة، فالتعميم هنا يفقد القول معناه، لأن التشاؤم و التفاؤل إنما يكونان في المواقع التي لم نحسب لها حسابها.
التشاؤم و التفاؤل كلاهما ينتجان عن جهل الإنسان بمجريات الأحداث في حاضرها أو مستقبلها، و لو علم الإنسان كيف تجري هذه الأحداث و ماذا يتولد عنها ، لما تفاءل و لا تشاءم، اذ كل ما يطلب منه عندئذ هو أن ينظر الي الأمور الواقعة -أو التي سوف تقع- ليراها على حقيقتها، ليبني على علمه بهذا الواقع المرئي خطى سيره. و لو فشلنا في رؤية الواقع ، فنحن مضطرون في هذه الحالة إلى أن نركن إلى " مجرد الشعور بالخوف أو بالطمأنينة حسبما يكون الحال"
هناك حديث نبوي شريف ((لا طيرة في الإسلام و لا فأل)) و الطيرة هي التشاؤم ، فإذا كان الاسلام يدعو الناس ألا يركنوا في حياتهم إلى تشاؤم أو تفاؤل، فمعني ذلك أنه يدعوهم إلى حساب المستقبل حسابا علميا فيعرفونه قبل وقوعه.
المستقبل المدروس المحسوب يصبح كالحاضر مرئيا للعين، والحال، ليس كذلك، بالنسبة إلى السائرين في متاهة المجهول (الذي هو حالنا الآن).
إذا كان المستقبل المجهول دائماً مثيرا للمخاوف ، فعلي العكس نظرة الإنسان إلى ماضيه، لأن الماضي قد وقعت حوادثه و تكشفت، فلا غرابة إن كان الماضي موضع أمن، فكثرة الدعوة للعودة إليه بدل المغامرة في عالم مجهول العواقب. وفي نفس الوقت هناك من اشتدت به الرغبة في أن يكشف الغطاء عن مستقبله، و لم يكن بين يديه علم يركن اليه فلجأ إلى حاسب النجوم ، و ضارب الرمل.. إلخ.
وبهذا المنطلق تولد صنفان من الناس ، صنف يفر من المستقبل الذي يخشاه، ليلوذ بالماضي و قواعده لأنه مجرب معروف، وصنف آخر يغامر نحو الجديد لأن هذا الجديد وإن يكن مجهولا لكنه باعث على الأمل. هذان الصنفان من الناس -بصفة عامة- ما نطلق عليهما أحيانا حزب اليمين و حزب اليسار. ( اللذين قد يمثلون الإخوان و السلفيين و اليبراليين في الوقت الحاضر)
الفكره في كلتا الحالتين واحد وهي :أن المستقبل مجهول، فهل ننجو بجلودنا من شر المجهول لنفوز بالماضي المعلوم المجرب، أم نغامر نحو الجديد لعله ينقذنا مما نحن فيه من صنوف الشر والأذى؟
و أضاف الدكتور زكي في كتابه أنه كلما إزددنا علما صحيحا بالعالم من حولنا و علما صحيحا بمشكلتنا و رؤية واضحهة لمستقبلنا و لأهدافنا ازداد اقتراب الفريقان من بعضهم . و اذا سلطنا نور العلم على الصورة التي سوف يجئ عليها المستقبل في ظل مشروعات بعينها ، زالت من تلقاء نفسها أهم مبررات الاختلاف بين اليمين و اليسار .
لمزيد من التوضيح ، لو أننا عالجنا مشاكلنا علاجا عمليا، و نظرنا إلى الحلول كما ينظر العلماء حين يعالجون ما يعالجونه في بحوثهم ، هل سنستطيع ساعتها التمييز إذا كنا من أهل اليمين أو اليسار، مثلا هناك مشكلة التعليم وضرورة محمو الأمية، إلى الجامعة وضرورة إصلاحها (أضف إليها مشكلة العشوائيات في زماننا) فماذا أنت قائل في محو الأمية حين تكون من أهل اليمين، مما لا تقوله فيها وأنت من أهل اليسار؟ أو خذ مشكلة التعليم الجامعي ، متمثلا في كليه بعينها، ككلية الطب على سبيل المثال، و ما تعانيه من كثرة العدد و قلة الوسائل، فماذا أنت قائل في ذلك إن كنت من أهل اليمين، مما لا تقول مثله وأنت من أهل اليسار؟ ألا يتفق الموقفان طالما أنت منشغل بالمشكلة وطرق حلها؟
هكذا ترى أن المهم في جميع الحالات، هو أن يكون بين أيدينا الأهداف الواضحة والعلم الصحيح في طريقة الوصول إليها، و أكرر كلمة العلم لأوكد هنا معنى العلم كما يمارسه العلماء في معاملهم وإحصاءاتهم و استدلالاتهم و لو عاش الناس في مجتمع تكنوقراطي (معنى تكنوقراط حكم الطبقة العلمية الفنية المتخصصة المثقفة، و هي حركة بدأت عام 1932 في الولايات المتحدة, وكان التكنوقراط يتكونون من المهندسين والمعماريين والاقتصاديين المشتغلين بالعلوم ودعوا إلى قياس الظواهر الاجتماعية ثم استخلاص قوانين يمكن استخدامها للحكم على هذة الظواهر وإلى أن اقتصاديات النظام الاجتماعي هي من التعقيد بحيث لا يمكن أن يفهمها ويسيطر عليها رجال السياسة ويجب أن تخضع إدارة الشئون الاقتصادية للعلماء و المهندسين, وكانت هذه الدعوة نتيجة طبيعية لتقدم التكنولوجيا.)
مثال: دكتور متخصص في العلوم السياسية يسند له منصب رئاسة الحكومة, طبيب معروف وخبير في الطب ينال وزارة الصحة, ودكتور متخصص في الاقتصاد وزارة الاقتصاد, وآخر متخصص في التكنولوجيا وزارة الاتصالات وهكذا...) و إذا تم وضع تصاريف الأمور على أيدي فنيين سيزول جانب كبير من تلك التقسيمات التي اشرنا إليها (اليسار واليمين) ، ما دام الهدف البعيد متفقا عليه، و هو أن تكون الأولوية لما يخدم الكثرة الغالبة من جمهور المواطنين .
انه المستقبل المحسوب بدقه العلم، هو الذي يجمع في ساحة واحدة من زعموا انهم (أضداد).
و قد كان هذا ملخص و شرح مقال مستقبلنا المحسوب من كتاب (مجتمع جديد أو كارثة) و أود تذكيركم أن هذا المقال قد كتب في السبعينيات من القرن الماضي، حيث تنبأ المفكر و الفيلسوف الكبير بوقوع كارثة في المجتمع إذا لم يتغير.
كلنا مدركين أن النظام القديم بذل ما في وسعه لعرقلة هذا التغيير لخدمة مصالحه، وهذه الثورة قد قامت لفشل النظام السابق في القيام بالتغيير بالإضافة إلى محاربته. و لنأمل أن تكون هذه الثوره هي التغيير و قاعدة المجتمع الجديد الذي يتحدث عنه و ليس الكارثة التي تنبأ بها.
وأود أن أوجه كلمه أيضاً إلى أعضاء أول برلمان المنتخب في تاريخنا الحديث، أنتم هناك في هذه القاعة لأننا -الشعب- نريد التغيير، وقد وقعت أحداثا مأساوية، كفيلة أن تشتت انتباهكم عن هدفكم الحقيقي ألا وهو التغيير الذي ضحى من أجله آلاف من خيرة شباب مصر بحياتهم ، فابدأوا حدثونا عن (المستقبل) في جلساتكم.. حدثونا عن خططكم لمصر في العشر سنوات القادمه، حدثونا عن التعليم ، حدثونا عن المشاريع الزراعية، ابدأوا في الحديث عن المستقبل، سوف تكون بصعوبة أول خطوة يخطوها طفل كان يحبو و لكن سرعان ما سيكبر و يشتد عوده و يعدو.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق